يقول شكسبير في مسرحية هاملت “ليس هنالك شيء سيء أو جيد ولكن التفكير هو ما يجعله كذلك.” فالكثير من الأحاسيس اليومية التي نشعر بها بسبب التعامل مع الزملاء أو الدوائر الاجتماعية هي بسبب روابط تحدث بين العقل والمشاعر في عملية منظمة، لكن ما الذي يغير عواطفنا ومشاعرنا بصورة سريعة ومتغيرة؟ الإجابة في السطور القادمة.
ما هي القرصنة العاطفية؟
القرصنة العاطفية هي الحالة التي تسيطر فيها المشاعر بشكل حاد على السلوك وتصبح فيها تصرفاتنا غير خاضعة للعقل أو للتفكير المنطقي.
الشخص الذين لا يتمتع بمستوى جيد من الذكاء العاطفي يقع فريسة للقرصنة العصبية في كثير من المواقف فنجد أنه سريع الغضب والانفعال أو سريع الاكتئاب والحزن.
ولكي نفهم معنى القرصنة العاطفية وكيف تعمل لا بد من محاولة فهم المشاعر (العواطف) وكيفية تعامل العقل معها.
ما هي المشاعر؟
نحن نقوم بوصف مشاعرنا عن طريق وصف العواطف أو الأحاسيس التي نشعر بها في موقف محدد أو ظرف ما، فنقول إننا نشعر بالغضب إذا ما قام أحدهم باستفزازنا بطريقة شديدة، أو نقول إننا نشعر بالخجل إذا ما قمنا بعمل محرج وهكذا.
مكونات المشاعر:
1. المكون الإدراكي أو (العقلي): يتضح المكون الإدراكي للمشاعر من خلال المثالين التاليين:
كريم شاب يعمل في مجال برمجة الكمبيوتر وهو يعتقد ويؤمن بأن هذا العمل هو أفضل عمل في العالم، ولا يتصور نفسه في يوم من الأيام يقوم بعمل أو وظيفة أخرى وخاصة تلك الوظائف الميدانية.
في المثال الأخر الأنسة سارة تعتقد أن العمل في الميدان هو أفضل عمل في العالم وأن الخروج من المكتب والعمل مع الناس يشعرها بالسعادة الفائقة، وهي لا تتخيل نفسها أبدا تقوم بعمل من خلف المكتب وراء شاشة كمبيوتر طوال اليوم فهي تعتقد أن ذلك هو أكثر الأعمال المملة على الاطلاق.
نحن هنا أمام قناعات متناقضة تجاه نفس الأعمال، هذه القناعات والاعتقادات والأفكار تشكل المكون الإدراكي للمشاعر.
2. المكون الفسيولوجي: هو عبارة عن الاستجابة الجسدية للمشاعر، تخيلوا معي أنك تسير في ليلة شديدة الظلام في شارع جانبي غير وفجأة خرج أمامك شخص ملثم يصرخ بصوت عالي، ماذا ستكون ردة فعلك؟ الغالبية العظمى من الناس ستشعر بخوف شديد؟ ماذا يرافق هذا الخوف؟ تسارع شديد في ضربات القلب، والتنفس، وجفاف الفم، وشعور بقشعريرة في الجلد، وتقلص في العضلات، كل هذه الأعراض العضوية تشكل المكون الفسيولوجي أو العضوي للمشاعر.
3. المكون السلوكي: المكون السلوكي للمشاعر هي الطريقة التي نعبر بها عن مشاعرنا.
المكونات الأساسية للدماغ البشري
1. العقل اللاإرادي (Autonomic Brain):
هذا الجزء من الدماغ مسؤول عن الأنشطة والوظائف اللاإرادية في الجسم مثل نبض القلب والتنفس وحركة الأمعاء وغيرها.
2- العقل العاطفي (Limbic Brain):
هذا الجزء من الدماغ مسؤول عن تخزين البيانات والذكريات المتعلقة بالمشاعر، وهذه المعلومات أساسية من أجل البقاء فهو يخزن المعلومات المتعلقة بالخوف والخطر، وبالتالي فهو يوفر لنا المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار بالمواجهة أو الفرار في حالات الخطر الشديد بناء على ما هو مخزن فيه من مشاعر.
2. الدماغ العقلاني (الرشيد) (Rational Brain):
هذا الجزء من الدماغ هو المسؤول عن العمليات العقلية والمنطقية مثل الحساب والمنطق وحل المشكلات والتعلم وغيرها.
كيف تحدث القرصنة العاطفية؟
يقوم العقل العاطفي بإصدار إنذار بالخطر بدون استشارة العقل المدرك أو الواعي؛ يحدث ذلك لأن سرعة نقل الاشارات العصبية والبيانات في العقل العاطفي كبيرة جدًا حيث تبلغ 80 إلى 100 ضعف السرعة في العقل الواعي، وهو ما يجعل ردة الفعل تجاه الخطر سريعة جدًا حتى قبل أن يدرك الإنسان إن كان هذا الخطر حقيقي أم غير حقيقي.
هل تحدث القرصنة العاطفية في حالة التهديد الحقيقي فقط؟
الجواب المباشر لا، في بعض الأحيان تحدث في وجود تهديد معنوي مثل الوقوف أمام جموع أو ألقاء خطبة.
الحقيقة ما يحدث في هذه المواقف هو أن التهديد المعنوي الذي قد يطول الإنسان بسبب استهزاء الناس به أو عدم تقبلهم له أو خوفه من الخطأ وإحراج نفسه أمام الناس.
فهي تهديدات معنوية قد تمس بصورة هذا الانسان في عين نفسه أولًا وفي عيون الناس ثانيًا، لذلك فإن العقل العاطفي يتعامل معها على أنها تهديدات حقيقية ويقوم بالتصرف تجاهها كما يتصرف تجاه التهديد الحقيقي.
الحل.. في الذكاء العاطفي
يمكن الإنسان أن يتدرب ليزيد من ذكائه العاطفي وبذلك يزيد من تدخل عقله الواعي في مثل هذه المواقف التي لا تشكل تهديد حقيقي، عن طريق تحليل الموقف بعد حدوثه ومراجعة الذات وتقييم ردة الفعل والتعلم منها.
في هذه الحالة نحن نقوم ببناء روابط عصبية جديدة في العقل العاطفي مبنية على خبرات جديدة تفيد بأن التعرض لهذا الموقف ليس خطرًا وبالتالي مع التدريب وتكرار التحليل يتعلم العقل العاطفي أن لا يقوم بعملية القرصنة في هذا المواقف مرة أخرى.