الأمومة مع العمل ليست بالشئ السهل بالتأكيد، وتقول عالمة الاجتماع الأمريكية كاثلين كولينز “من السهل فهم شعور النساء في الصراع المستمر بين العمل والأسرة، لأننا ببساطة نطلب منهن المستحيل” ما كانت ترمي إليه كاثلين ليس فقط الصراع بين المسئوليات والواجبات ولكنها كانت تقصد أيضًا الصراع في بيئة العمل.
وهذا ما أكدته شيرين كانجي أستاذة العمل والتنظيم في جامعة بروناي التابعة لجامعة لندن حيث قالت أن الأمومة هي أحد الأسباب الرئيسية لتراجع المسيرة المهنية وذلك لأن أصحاب العمل يقللون دومًا من أي شخص لديه وضع مختلف.وفي هذا السياق يقول عالم الاجتماع دانيال كارلسون، من جامعة يوتا أن هناك فكرة مسيطرة حتى اليوم ترتكز على أن الأم العاملة سيكون انتباهها مشتتًا، كل هذه الأمور تضغط على الأم أكثر بكثير جدًا من واجباتها تجاه أطفالها، والآن سنتعرف على مواصفات بيئة العمل الأمثل للأمهات.
ومن خلال هذا المقال سوف نتحدث نحن الأمهات عن بيئة العمل الأمثل لنا:
لماذا يعد توظيف الأمهات مفيد للعمل؟
غالبًا ما تكون الأمهات محترفات في تحديد الأولويات، وتعدد المهام، والتواصل والتفاوض والتنظيم. كما إنهن مرنات ولديهن قابيلة للتكيف بشكل لا يصدق، يستطعن ببراعة شديدة أن يتعاملن مع حالات الطوارئ كما يعرفن كل ما يلزم عن التوفيق بين المطالب المتعددة.
وبالإضافة إلى كل تلك المهارات الفريدة، فإن توظيف الأمهات يجعل فريق عملك أكثر تنوعًا مما سيدفع الجميع إلى تقديم أفكار أكثر ابتكارًا تعكس الكثير من الزوايا المختلفة، ومن جهة ثالثة سيجعل ثقافة بيئة العمل مرنة وسيعزز من احترام قيمة التعاطف وتقدير الآخرين.
توفير مساحة تسمح بالرضاعة الطبيعية للأمهات
فلنبدأ منذ عودة الام الى العمل بعد الانجاب ،فمن المثبت أن الرضاعة الطبيعية خلال الأشهر الستة الأولى مفيدة جدًا لكل من الأم والطفل؛ ولكن الضغط على الأم من أجل العودة مبكرًا للعمل يدفعها إلى تقليل الرضاعة الطبيعية وادخال الحليب الصناعي وهو الأمر الذي يعرض الطفل للكثير من المخاوف الصحية على المدى القصير والبعيد؛وعليه حين تدعم بيئة العمل الرضاعة الطبيعية فإنها تساعد الأجيال الجديدة على النمو بشكل صحي.
والحقيقة أن الشركات التي تخلق ثقافة داعمة للرضاعة الطبيعية تساعد الأمهات الجدد والشركة ككل؛ فمع مرور الوقت ستجني الشركة ما زرعته من خلال تلك الثقافة وستحصد رضا وظيفي أعلى ومعنويات أفضل وإنتاجية أكبر.
استيعاب تقلبات الأداء المؤقتة
يتفوق الموظفون في مكان عمل يساعدهم على تمهيد الطريق لأهدافهم وتطلعاتهم المهنية طويلة الأجل؛ في الوقت نفسه، بالنسبة للأم تكون الرحلة أكثر تعقيدًا على سبيل المثال، تقلل ليالي الأرق المرتبطة غالبًا بأول شهور الأمومة من مهارات حل المشكلات الإبداعية والاحتفاظ بالذاكرة، ولكن مثل هذه التحديات تكون مؤقتة ولذلك على الشركات أن تحفز الأداء الاستثنائي وتعزز النجاح طويل المدى مع دعم الأمهات العاملات في فترات صعودهن وهبوطهن.
دعم التواصل في بيئة العمل
واحدة من أبسط الخطوات التي يمكن للشركة اتخاذها لدعم الأمهات العاملات هي إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة؛ حيث يمكن للأمهات الجدد مناقشة احتياجاتهم المتغيرة مع إدارة الموارد البشرية، وبالنسبة لباقي الموظفين عليهم أن يكون أكثر تفهمًا للتحديات التي تواجه الأمهات العاملات.
بيئة عمل غير متحيزة ضد النساء العاملات
خلال عام 2013 أجرت شيرين كانجي، أستاذة العمل والتنظيم في جامعة بروناي التابعة لجامعة لندن دراسة بحثية وتوصلت من خلالها إلى نتيجة مفادها أن الأم التي تحتاج إلى إجازة لرعاية طفلها غالبًا ما يُنظر إلى تصرفها على أنه غير مرحب به على الإطلاق؛ حيث يرى الجميع أنها يجب أن تهتم بأطفالها عوضًا عن العمل، وحتى يومنا هذا يؤكد علماء الاجتماع أن أماكن العمل متمركزة بالأساس حول الرجال وليس النساء، فحتى حين قبلت المجتمعات الإنسانية الحديثة بعمل المرأة فإنها لا زالت تضمر داخليًا بعض الرفض لعمل الأم وهذا ما يجعل بيئات العمل متحفزة ضد الأمهات العاملات، وعليه فإن بيئة عمل الأنسب للأم هي البيئة الغير متحيزة ضد عمل النساء والأهم ألا تكون متحيزة ضد عمل الأم.
وخلال عام 2019 كتبت الخبيرة الاقتصادية إميلي أوستر في مقال لها هذه العبارة ” أهلاً بكم في عالم الأبوة والأمومة السريتين” وكانت تقصد أن عالم الأمومة السرية يقتضي أن أخفي قلقي وتوتري في بيئة العمل عن أطفالي ، وأن أحاول أن أثبت للجميع وأولهم نفسي أن كوني أم لم يؤثر على أدائي الوظيفي، عالم الأمومة السرية يجعلني أخشى أن أعترف بالضغط الشديد الذي أشعر به حتى أبدو ثابتة في مكان العمل لأن عدم القيام بذلك سيعرضني لتحيزات السلبية.
من الصحى ألا تخفى الأمهات المعاناة التي يشعرن بها؛ وأن يتحدثن عن مطالبهن خاصة بعد أن كشفت أزمة فيروس كورونا عن جزء من تلك المعاناة فبعد أن بقي الأطفال في المنزل جراء الجائحة، وجدت الأم نفسها أم وعاملة بدوام كامل طوال الوقت .