لم يكن أبدا الفن بمنأى عن الواقع لا سيما السينما المصرية، فدوما ما يكون كل عمل فني هو معبر عن الواقع الذي خرج منه، بل وأحيانا يكون بمثابة صرخة يطلقها في وجه المجتمع كفيلم “أريد حلا” أو “الجلسة السرية”، لتساهم في تشكيل بعض القوانين، أو على أقل تقدير يكون مرآة لظاهرة بعينها، يلقي الضوء عليها، مثل جرائم القتل تحت مظلة شرف العائلة ورجال العائلة.
المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائي أصدر دراسة في 2021 أكدت أن عدد ضحايا مما يطلق عليها “جرائم الشرف” يتراوح من 900 لـ2000 جريمة سنويًا، وأن 70% من تلك الجرائم ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم.
السينما المصرية لم تكن مرآة لقتل النساء مقابل تصرفهن في أجسادهن فقط، وإنما كذلك كانت مرآة لازدواجية المجتمع في التعامل مع نشاط الرجال الجنسي، مقابل نفس الفعل أو الشك فقط في سلوك إحدى النساء، ففي مقابل القتل، نجد الرحمة والتسامح والمغفرة التي يغرق المجتمع بها الرجال الخطاة، أبرزها فيلم “شباب امرأة”.
حادثة شرف
الفيلم من تأليف الكاتب الكبير يوسف إدريس، وإخراج شفيق شامية، بطولة زبيدة ثروت، يوسف شعبان، محسنة توفيق.
تدور أحداث الفيلم عن فتاة جميلة تعيش بإحدى القرى، أشاع عنها إحدى شباب القرية إنها تعرضت للاغتصاب، لينقلب أهل القرية عليها، ويصبح التأكد من عذريتها هو حديث القرية كلها ومحل اهتمام أهلها، فتخضع لكشف عذرية، ويكتشف الناس إنها لازالت عذراء، فتأتي البراءة بطعم الانتهاك.
دعاء الكروان
“وين هنادي يا أماه”.. تلك الجملة التي تعد من أشهر الجمل الأيقونية لفن السينما في مصر، مأخوذة عن أهم فيلم ناقش قضية القتل تحت إدعاء الحفاظ على الشرف.
الرواية للأديب طه حسين، وإخراج هنري بركات، وبطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وأمينة شفيق، ليأخذونا في رحلة من التناقضات والأفكار الظالمة للنساء، والتي تفجرها مقتل “هنادي” على يد خالها، بعدما عرف بعلاقتها مع المهندس الذي نخدم في بيته، ثم تنتقل الأحداث لأختها “آمنة” التي تقرر الانتقام منه على طريقتها الخاصة.
اشتباه
يحكي فيلم اشتباه عن “نادية” التي تخرجت من الجامعة لتبدأ مسارها العملي والمهني والذي تنجح فيه، بينما يفشل أحد زملاءها ويسلك طريقا مشبوها حيث يعمل في تمثيل الأفلام الاباحية، لتكتشف بالصدفة أن الامرأة التي تشاركه تلك الأفلام تشبهها إلى حد كبير، وبدون تحقق ولا أن يستمع لها أحدا أو يساندها، حكم عليها المجتمع بهدم حياتها كلها ونبذها.
عفوا أيها القانون
على الجانب الآخر، يأخذنا فيلم “عفوا أيها القانون” في رحلة من نوع آخر، حيث القاتل هنا هو الزوجة وليس الزوج، بعدما ضبطته متلبسا بخيانتها، فتقتله، ليحاكمها القانون بعقوبة 15 سنة سجن،
صناع الفيلم وضعوا تحت الاضواء التناقض الصارخ في نظرة القانون المصري لجرائم الشرف مفرقا بين الرجل والمرأة.
شفيقة ومتولي
وأخيرا، الفيلم الأيقونة، الذي تناول إهدار قيمة الشرف المعنوي والجسدي، أبان فترة الاحتلال البريطاني لمصر، بعدما وقعت البطلة “سعاد حسني” في فخ “دياب”، لتبدأ رحلة من الهروب من شقيقها “متولي” الذي تيقنت من قتله لها عندما يعلم عما حدث.
تكشف لنا أحداث الفيلم عن أنواع أخرى من بيع الشرف، حيث من تبيع جسدها للنجاة فقط، ومن يبيع زوجته لتمرير مصالحه الشخصية، لتعبر عن تناقض فج في التعامل مع الشرف الجسدي وتشدق المجتمع به لو كانت الضحية طرفا مستضعفا فقط.
تأصيل العنف ضد المرأة
من جانبها ترى آية منير مؤسسة مبادرة “سوبر وومن” الناشطة النسوية، ومؤسسة مبادرة سوبروومن، أن السينما المصرية أصلت لجرائم الشرف بالفعل، من خلال إعلاء لقيم “الدم الحامي” وأن أهل الصعيد لا يتفاهمون إلا بالقتل، وكذلك المناطق الشعبية، ولا يمكن إنكار أن جزء من هذا هو انعكاس للواقع فعلا، ولكن هناك جزءا آخر من التفخيم والتعظيم من تلك الأفعال، بدعوة ان هذا هو مثال الرجل “الحمش”.
وتتابع منير، لـ”مسارات”، “لكن هنا لا يمكننا اغفال دور القانون في ترسيخ تلك المفاهيم في الأعمال الفنية، لنجد انها دائرة واحدة كل أمر يؤدي للآخر، لذلك فأننا سنجد أغلب الأعمال تنتهي بأن القاتل لم يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، بل إن القانون يمكن أن يبرأه، ولا نجد أبدا تسليط للضوء أو تركيز على حياة الفتاة التي قتلت للتو، وإنها ضحية من الأساس، سواء ضحية رجل تلاعب بها، أو ضحية من أنهى حياتها، بل أن التركيز يكون على وضع العائلة التي تعيش في العار وإنهم الحزانى وإنهم من يعيشون في المأساة”.
وتنهي الناشطة النسوية حديثها مع “مسارات” قائلة: