وظيفة مندوب/ة المبيعات لها سمعة غريبة بعض الشيء في المجتمع المصري، وهي أنها وظيفة من ليس له تخصص واضح أو وظيفة محددة، وفي الحقيقة هذه السمعة مغلوطة بشكل كبير.
حقيقة الأمر أن الوظائف المتعلقة بالمبيعات تتطلب الكثير من الخبرات والمهارات مثل الإقناع، والتواصل والقدرة على عرض البضائع ومميزاتها، ولكن نحن هنا نتحدث عن بائعة لمنتجات بسيطة مثل أدوات المطبخ والجوارب، وفي الأعلب هي زهيدة الثمن، وهو ما يجعل أصحاب الشركات لا يعترضون ولا يختارون بين العديد من المتقدمين للوظيفة، فقط يبحثون عن اللباقة وحسن المظهر، وهذا كثيرًا ما يتوافر في المتقدمين للوظيفة.
وبسبب بعض الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية، تضطر العديد من السيدات للعمل في هذه المهنة، واستحضار اللباقة في الحديث، والحفاظ على المظهر الجيد لمدة ثماني ساعات على الأقل يوميًا، وهنا تكمن المشكلة والتي تجعل السيدات عرضة للعنف اللفظي والجسدي.
هذه المهنة، في العديد من الأوقات، تتطلب البيع في الأماكن العامة مثل المواصلات العامة والمقاهي، تلك الأماكن التي يتجمع فيها عددًا كبيرًا من المواطنين يوميًا، ولكن لكل هذه العناصر وجهان، أحدهما يساعد على البيع بشكل فعال، والآخر يدفع البعض إلى ممارسة العنف ضد النساء.
وفي إطار حملة الـ16 عشر يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، تحاورنا مع سيدة ثلاثينية، رفضت الكشف عن هويتها، تعمل في مجال المبيعات، وتحديدًا في البيع لرواد مقاهي أحد أحياء القاهرة، وسألناها عن عملها فكانت ردودها كالتالي:
“اضطررت لاصطحاب ابني”
في بداية حديثها معنا، ودون سؤال، قالت هذه السيدة أنها كثيرًا ما كانت تتعرض للعنف اللفظي وأحيانا الجسدي أثناء عملها، وقد جعلها ذلك تفكر بالفعل في ترك العمل، ولكنها كانت تخضع لضغوطات المساهمة في مصاريف المنزل ومساعدة زوجها ودعم مستقبل أبنائها.
فكرت في حل مختلف، وهو أن تظهر في مظهر الأم بدلًا من مظهر السيدة التي تبيع وحدها في المقاهي، ويا للعجب فقد تغيرت الأمور، فهمت هذه السيدة أن مظهر الأم له قدسيته في المجتمع، فقررت اصطحاب ابنها ذو الـ 4 أعوام، ورغم أنها خافت على ما سيراه ابنها في البداية إلا أنها قررت أن تضعه في الصورة منذ صغره، لكي يعلم ما تفعله أمه لتعليمه، حسب قولها.
“أنا بائعة ولست سائلة للصدقة”
أكثر ما يؤلم هذه السيدة هو أن معظم من يقابلها في يومها يتعامل معها على أنها سائلة لبعض الصدقات، ولكن هذا غير صحيح، فهي حتى لا تقبل أموالًا إضافية لثمن ما تبيعه من بضائع، ورغم أننا نرى ذلك كل يوم ونفعله في بعض الأحيان بشكل لا إرادي، إلا أنه شيء مؤلم لأصحاب النفس العزيزة ممن اختاروا العمل بدلًا من فعل أي شيء آخر.
“لست بائعة هوى”
وأكدت مندوبة المبيعات، التي حاورناها على أحد مقاهي القاهرة، أن أكثر ما ألمها في بداية عملها هو عرض البعض عليها بعض الاتجاهات غير الشريفة في العمل، وجاء ذلك بشكلين، أولهما كان من بعض النساء اللاتي عملن بذات الوظيفة قبلها، واللاتي نصحاها بأن تهتم بملابسها وشكلها وتستخدم الضحك والكلام الكثير ليشتري منها الزبائن، وثانيهما هو أن هناك بعض الزبائن الذين ظنوا أن عملها ستارًا لأعمال أخرى، وبالتالي عرضوا عليها عروضًا مخلة بالشرف.
وقالت إنها قد اعتادت تلك العروض التي تتلقاها تقريبا بشكل يومي، ولكنها لا تصمت أبدا أمام هؤلاء، بل تلقنهم درسًا لا ينسوه.