أعلم أن الموسم الرمضاني انتهى بالفعل وأصبح لكل منا رأيه الخاص فيما شاهده أثناء وبعد انتهاء “موسم المسلسلات”، وأنا أتابع منذ سنوات السباق الرمضاني بين الأعمال الدرامية ولاحظت منذ عدة مواسم أن صورة المرأة في تلك الأعمال تنتقل من سيئ إلى أسوأ؛ خاصة مع تصاعد وتيرة العنف ضدها دون مبرر درامي أملاً في حصد المزيد من المشاهدات؛ في محاولة اترسيخ فكرة إن “إهانة الستات شيء عادي”.
قضايا مجتمعية هامة للغاية مع معالجة ضعيفة:
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننكر أن دراما رمضان لهذا العام سلطت الضوء على قضايا المرأة بشكل كبير حيث رأينا مسلسلات تتحدث عن ميراث المرأة في الصعيد وقضايا الختان وزواج القاصرات والمصاعب والتحديات التي تواجه المرأة في العمل غير الرسمي، ولكن على الرغم من أن القضايا كانت هامة للغاية إلا أن طرحها والمعالجة الدرامية كانت ضعيفة ولم تفعل سوى أنها رسخت لصورة المرأة النمطية المستضعفة.
قضية تعدد الزوجات حاضرة وبقوة في الدراما الرمضانية هذا العام:
“أنتي طيبة وبنت حلال بس أنا طهقت منك” هكذا بدأ الجزء السابع من مسلسل الكبير أوي للفنان أحمد مكي، ففي الحلقة الأولى رأينا مشهد يجمع بين الراقصة الشهيرة لورديانا وبين زوجته مربوحة التي أدت دورها الفنانة رحمة أحمد، كان الكبير يتحدث عن موضوع تعدد الزوجات في إطار كوميدي اعتبرته شديد الإهانة للنساء، واستجلاب الضحك من خلال التقليل من قيمة المرأة والاستهانة بمشاعرها يمر عبر تلك المشاهد الكوميدية ويترسخ في العقل الباطن للمشاهدين.
مسلسل الكبير أوي لم يكن الوحيد الذي تحدث عن تعدد الزوجات؛ مسلسل جعفر العمدة للفنان محمد رمضان يحكي لنا عن قصة المعلم المتزوج من أربعة نساء يعيشون جميعًا في البيت نفسه، وفي مشهد شديد الإهانة كان محمد رمضان يضع جدولًا لزوجاته من أجل تحديد مواعيد المبيت؛ حين رأيت هذا المشهد ظننت أنني عدت بالزمن إلى العصور الوسطى.
الطامة الكبرى في تلك الأعمال أنها لم تناقش القضية أصلًا، كان الأمر برمته أمرًا واقعًا وجزء من سياق الحكاية دون إدانة الفعل، فمسلسل جعفر العمدة يحكي عن أب يبحث عن ولده الضائع، لماذا تم زج مسألة الزوجات الأربع دون أي مبرر درامي؟ هل هو استعراض فحسب لشخصية محمد رمضان البطل المغوار الذي لا ترفضه امرأة وتقع في حب جميع بطلات العمل؟
مسلسل حضرة العمدة: مناقشة سطحية لقضية الختان وزواج القاصرات:
خلال هذا العام تطل علينا الفنانة روبي من خلال مسلسل “حضرة العمدة” ويحكي المسلسل قصة صفية الفارس” أستاذة علم النفس في الجامعة الأمريكية والتي تضغط عليها عائلتها من أجل العودة إلى قريتها والترشح للعمودية، توافق صفية على طلب عائلتها وتعود إلى قريتها وتترشح بالفعل للعمودية ولكنها تواجه الكثير من التحديات مثل عادات وتقاليد أهل القرية.
تدخل صفية إحدى الوحدات الصحية في أحد الأيام لتمنع عملية ختان للإناث وفي يوم آخر تمنع زواج قاصرة؛ هكذا فقط، دون أن مشاكل أو عقبات!، والمسلسل رغم أهمية قضيته إلا أنه شديد السطحية، قضية الختان في القرى المصرية قضية شديدة التعقيد ومسألة تناولها بهذا الشكل لم يخدم القضية أبدًا لكنه فقط مجرد مجموعة من الخطب العصماء حول أضرار الختان وزواج القاصرات.
“أنا عايزة استحمى” ورد فعل مواقع التواصل الاجتماعي:
في مشهد تداوله الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من مسلسل “الهرشة السابعة” تظهر الفنانة أمينة خليل التي تقوم بدور نادين وهي تبكي وتصرخ في هيستيريا شديدة لأنها لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها بسبب الأمومة خاصة وأنها أنجبت توأم يحتاج إلى الكثير من الوقت، تصرخ نادين وتقول “أنا نفسي استحمى”
والحقيقة أن المشهد حظي بصدى كبير وتم اتهام نادين بالمبالغة في الأداء خاصة من قبل المعلقين الرجال الذين ذكروا أنها أنانية وغاضبة على الدوام، وتساءل البعض لماذا لم تشعر أمهات الماضي بأعباء الأمومة، والحقيقة بصفتي مررت بتلك التجربة من قبل، أعلم تمام العلم أن الأمر ليس سهلًا أبدًا؛ المشكلة الكبرى أن الأمومة محملة بإرث كبير من المعتقدات والمشاعر والصورة النمطية عن الأم المثالية التي تغدق الحب والحنان على أطفالها دون كلل أو ملل أو شكوى كما تناول المسلسل صعوبة عودة المرأة من جديد بعد انقطاع طويل عن سوق العمل والحياة.
مسلسل الأجهر وإهانة المرأة دون أي سبب
دور بطل المنطقة الشعبية الجدع الذي يقف بجوار الغريب والقريب ولكنه بلطجي؛ توليفة تلقى إعجاب المشاهدين بقوة، فهذا هو البطل المثالي من وجهة نظرهم؛ أنا أمارس العنف ضد الآخر لأنني أحبه أو لأنني أخاف عليه. في العام قبل الماضي قدم عمرو سعد مسلسل “ملوك الجدعنة” وكان المسلسل الأسوأ على الإطلاق في تشويه صورة المرأة بدون أي مبرر درامي؛ فبطلات العمل كن يخضعن بشكل مبالغ فيه للغاية ففي أحد المشاهد تقول حبيبته “أنا مستعدة أتجوزك وتضربني عادي”. وفي هذا العام قدم سعد دور “الأجهر” الذي يقع في حب الطبيبة ناهد، وفي أحد المشاهد يزجرها قائلًا “أتلمي بدل ما أقل منك قدام العيانين بتوعك” في إشارة واضحة لإهانتها رغم أنها كانت طبيبة في مقر عملها بعيادتها!
وفاة الأب وعناء الأسرة في تحت الوصاية:
“انتم مستصغرني يعني ولا إيه، أنا أمهم أدرى واحدة هم محتاجين إيه” كانت تلك الكلمات على لسان الأم التي تحاول الحصول على مستحقات أولادها بعد وفاة زوجها في مسلسل تحت الوصاية الذي يناقش قضية حساسة وضاغطة تتعرض لها الأرملة والأولاد بعد فقدان الأب، عرض المسلسل التفاصيل بمنتهى الواقعية والدقة لينقل لنا حياة الأسرة المادية والمعنوية بشكل يومي بعد انتقال الوصاية على أموال الأبناء إلى الجد أو العم بشكل تلقائي، مما يعرض الأسرة والأبناء إلى مصاعب كثيرة تأثر على حياتهم ومستقبلهم، تعاطف الكثير من المشاهدين خاصة من عاشوا التجربة من قبل، وهناك أنباء عن تحرك برلماني تجاه قانون الوصاية على الأبناء حتى يتناسب مع الوضع العام الحالي.