أثيرت نقاشات عدة بعد ما واجهت بعض النساء رفض وتعنت من قبل إدارة بعض الفنادق لإتمام حجوزاتهم، فقط لأنهن نساء وحدهن وليسوا في صحبة زوج أو أب أو أخ، الأمر الذي أثار دهشة كبيرة، وطرح تساؤلات عن مدى التضييق على حركة النساء داخل المجتمع المصري بصورة أو بأخرى.
ولكن أزمة السكن المضاعفة التي تواجه النساء في مصر، لها أبعاد أخرى أكبر وأكثر من رفض الفنادق الحجز للنزيلات، تواجهها المستقلات من النساء بحياتهن بشكل خاص، ولربما كشف جزءًا من تلك الأزمة، جريمة “سيدة السلام” التي وقعت في مارس 2020، وكانت دفعة لعدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الإناث، في تدوين بعض ما واجههن أثناء استقلالهن بحياتهن سواء للدراسة أو للعمل أو للاستقلال في حد ذاته، يأتي على رأسها الأزمة في ايجاد سكن مناسب من الأساس.
احنا منعرفش أصلك وفصلك
تروي آيات العربي، 25 عاما، تعيش في الجيزة، مستقلة بحياتها منذ التحاقها بالجامعة من 6 أعوام، “أثناء حياتي في القاهرة خلال سنوات الدراسة لم أواجه الكثير من التعنت في تسكيني بأحد الشقق المفروشة ومشاركتي مع فتيات أخرى، فكان أصحاب العقارات يرحبون بالفتيات، لأنهن أقل إثارة للمشاكل وأكثر حفاظًا على الأثاث”.
تضيف العرابي “بدأت رحلة البحث عن السكن المناسب ومواجهة رفض أصحاب العقارات، بعد التخرج مباشرة، وصدمت برفض أغلب أصحاب الشقق، متحججين بـ”احنا منعرفش أصلك وفصلك”، وتارة أخرى، أن الفتيات مسئوليتهن كبيرة، وكأني طفلة في الروضة منتظرة منهم حراسة، انتهت تلك الأزمة عندما وجدت شقة بالتشارك مع فتاتين أخرتين، وتطوعت إحداهن بتدخل والدها وتصدره للمشهد، مما شجع صاحب العقار على الموافقة للتأجير لنا، ولكن جاء هذا الحل بعد شهور من البحث والالحاح”.
ورغم عدم وجود إحصائيات سواء من جهات حكومية أو أهلية لأعداد النساء المستقلات بحياتهن عن أسرهن، سواء في القاهرة أو المحافظات، إلا أنه من الملاحظ أن العدد في تزايد، وقد تختلف صورة الاستقلال سواء بهدف الدراسة أو العمل، إلا أنه يظل التعريف الأوضح لهذا الوضع.
انتي مطلقة
أما ميان عبدالنبي، 30 عاما، مطلقة، تعيش في الإسكندرية، ومستقلة منذ 3 أعوام، “في البداية أنا ولدت وعشت في القاهرة، تزوجت وفشلت التجربة، فانفصلت أنا وزوجي بهدوء، كان هذا بداية اللعنة بحق، فكان انفصالي يعني عودتي لأهلي، وبالنسبة لي هذا أكثر سوءا من طلاقي، فعائلتي ليست داعمة، ولا عائلة محبة بل إن كل لحظة تجمعنا هي عبارة عن مشاحنات ومضايقات، باختصار علاقتي بهم علاقة مؤذية نفسيًا لي، ولكن ما باليد حيلة، عدت لهم، مر أول شهر وكأنه عقدا من الزمن، فبدأت بالحث عن عمل يخرجني من المنزل لعدد ساعات طويلة:
بالفعل وجدت عمل في شركة سياحة، ولكن مع الوقت بدأت أسرتي تضيق الخناق علي أكثر وأكثر، وطبعا الحجة معروفة “انتي مطلقة دلوقتي ومش عايزين حد يجيب في سيرتنا”، فأخذت قراري وبدأت رحلة الاستقلال، وكما توقعت، لم أجد مالك عقار واحدا يوافق على تأجير عقاره لمطلقة، وكأن طلاقي سبة في جبينه هو وليس أنا
وتتابع عبدالنبي “فغيرت الخطة، وجمعت ميراثي مع كل ما أدخرته طوال عمري، وقررت أن أشتري شقة تمليك، فكانت الأسعار في القاهرة فوق قدراتي المادية كثيرا، فاتجهت للاسكندرية وبالفعل بدأت رحلة أخرى لاقناع الملاك بالبيع لي، حتى صادفت شابا مهاجرا يريد بيع شقة أهله، فلم يهتم إن كان المشتري مطلقة أم لا، وفعلا أتممت العملية، وبعدها انتقلت للاسكندرية، لأبدأ رحلة جديدة وفصل جديد من حياتي، بذلت كثيرا لأصله”.
وحسب الإحصائيات الحكومية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد وصلت حالات الطلاق المتزايدة إلى 213 ألف حالة طلاق في العام 2020، بواقع حالة كل دقيقتين وعدة ثواني، بينما وصل عدد السيدات المطلقات في مصر إلى ما يزيد عن 2.5 مليون امرأة،
عندما خلعت الحجاب
تحكي عهد السيد، 28 عاما، عن تجربتها في الاستقلال والبحث عن سكن مؤجر في القاهرة قائلة، “استقليت عن أهلي ماديًا واجتماعيًا منذ 5 سنوات، رغم أنهم من سكان القاهرة أيضًا، ولكن نظرا لنشأتي في جو من العنف الجسدي الذي وصل لمحاولات قتلي من قبل أخي عندما خلعت الحجاب”.
لم يكن الاستمرار في هذا المنزل، اختيارًا متاحًا، فقررت البعد عنهم، وهم لم يمانعوا كأن هم وانزاح عن صدورهم
تتابع ضاحكة، “إلا أن ملاك العقارات مانعوا، فكلما استقريت على شقة، وفي لحظة كتابة العقد وإظهار بطاقتي التي تحمل عنوان القاهرة، يتراجع المالك، لدرجة إن احدهم ظل يعطيني محاضرة دينية وأخلاقية لمدة نصف ساعة كاملة، وفي النهاية رفض كتابة العقد، ولم تكن بطاقتي هي العائق الوحيد، فكنت كثيرًا ما أجد سكن مناسب جدًا، ولكن أفوجئ برفض صاحبته مثلا لأنني غير محجبة، وكان أحد أكثر المواقف هزلية، عندما سارت الأمور بشكل طبيعي تمامًا، ولحظة كتابة العقد قدمت بطاقتي، فنظر لها صاحب العقار ووجد صورتي بالحجاب، فرفض التأجير لي، عندما علم إنني خلعته قريبًا، لكن في النهاية وجدت غايتي”.
لكن انتصار عبدالهادي، 57 عاما، صاحبة عقار بالاسكندرية، ترفض بشكل قاطع التأجير لفتيات، وتصر على التأجير لعائلات، تقول، “ليست عنصرية مني، ولكنه اتقاءً لشر الناس، فقلما ما ستحدث مشكلة مع عائلة مستأجرة أو أسرة صغيرة، ولكن الفتيات يكن عرضة للمضايقات والتحرش والتتبع من قبل شباب المنطقة، لذلك فإنني اقتصر الشر”.