لا زلنا نحصر النساء ونقولبهن في أشكال وأنماط معينة لا يمكن أن يخرجوا عنها، الأسرة والمجتمع هما أبرز من يفرضا إرادتهما.
أتحدث تحديدًا هنا عن التعليم واختيار التخصص الدراسي دون أن يتم تنميط الفتيات ويقال لهن لا يجوز دراسة هذا أو العمل في هذا المجال فقط لأنكن نساء، جمعنا لكم قصص 3 فتيات يتحدثن عن معاناتهن بسبب عدم اختيار تخصصاتهم الدراسية.
كلما طلبت منهم إعطائي دروس خصوصية يقولون لي أنني في النهاية سأحصل على دبلوم فلا داعي لإنفاق النقود بلا جدوى، سهام، 20 عامًا.
سهام، 20 عامًا، كانت مثل الكثيرات من الفتيات ترغبن في أن يكون لها تخصص دراسي وتتبعه حياة مهنية تختارها بنفسها، ولكن كان أهلها وبالأخص والدها عائقًا لها طوال الوقت: “منذ المرحلة الابتدائية وأهلي لا يهتمون بتعليمي، وكلما طلبت منهم إعطائي دروس خصوصية يقولون لي أنني في النهاية سأحصل على دبلوم فلا داعي لإنفاق النقود بلا جدوى”.
استمرت سهام في التعليم الحكومي، وحين دخلت المرحلة الإعدادية، أجبرها أبيها على العمل معه في أحد مشاريعه التجارية: “كنت أخرج من المدرسة إلى المحل لأقف فيه وأبي نائم في منزله ولم يكن هناك أي وقت لأذاكر بالإضافة إلى عدم أخذي لأي دروس خصوصية”.
كان أبي يعلم أني لا أحب ذلك وأشعر بالغضب ولكنه أستمر بتدمير مستقبلي الدراسي.
حصلت “نهى” على مجموع لا بأس به، ولكن كان الرد المعتاد من أبيها أنها ستلتحق بالدبلوم، وفعلت.
“أثناء دراستي الفنية كنت أسعى لاستكمال دراستي في أحد المعاهد بعد الانتهاء من الدبلوم، وحصلت على مجموع جيد، ولكن لا زال رفض أبي يلاحقني، كل مرة بحجة مختلفة، مرة بسبب الوقت ومرة أخرى بسبب المصاريف، وحينما قلت له سأعمل بنفسي وأجمع مصاريف ظل يرفض، ضاع مستقبلي بسبب أبي”.
كنت أشعر بالغضب والغدر وكان أول عام لي في الجامعة جحيميًا، سلمى، 33 عامًا.
لم أكن طالبة مجتهدة في الثانوية العامة، وكانت أمي تخشى كثيرًا على فشلي والتحاقي بأي كلية غير جيدة في نظرها، ولهذا شجعتني على المواصلة، وقالت لي أني سأدخل الكلية التي أرغبها، وبعدما حصلت على مجموع مناسب لأدخل كلية الآداب هممت لأختار قسم المسرح ولكن رد أمي ورفضها كانا عنيفين.
تراجعت أمي تمامًا عن كل وعودها السابقة، وقالت أنه لا يمكن أن ألتحق بهذا المجال والوسط الفني الغير محترم، وأخذت تؤلب كل من تعرفه علي كأني سأفعل جريمة نكراء” بدأت سلمى تتخلى عن حلمها لتلتحق بحلم آخر، فقد دخلت قسم الاجتماع الذي تكرهه، وحصلت على تعليم لم ترغب فيه “كنت أشعر بالغضب والغدر وكان أول عام لي في الجامعة جحيميًا، كل ما كنت أفكر فيه هو إنهاء هذه المهمة بأقل خسار وحسب، ولن أكرر ذلك أبدًا مع أولادي لإيماني أن العبرة بالشخص وأخلاقه مهما كانت مهنته أو الوسط الذي يعمل فيه.
بالنسبة لأهلي أنا الأبنة الفاشلة التي رفضت تحقيق حلمهم فكل الأبناء يدخلوا كليات لا يرغبون بها ويستكملوا دراستهم، هالة محمد، 33 سنة.
“درست ثانوية عامة خارج مصر، وكنت في الشعبة العلمية وحصلت على مجموع يؤهلني لأي كلية في مصر، وكان من المفترض أن أختار الكلية التي سألتحق بها في مصر، وكانت رغبتي هي الهندسة، لكن كل عائلتي أخذوا يقنعوني بدراسة الطب وبعدما رفضت أخذوا يناقشوني في الاختيار بين أحد الكليات الطبية ولكني رفضت لأني لا أقدر على هذه التخصصات ولن تشبه شخصيتي، وبعد أن كتبت تخصص الهندسة في التنسيق، غير والداي، من دون علمي، الرغبات وكتبوا طب أسنان وتم قبولي فيه” لم تعرف هالة أنه كان بإمكانها تغيير التنسيق إذ أقنعها أهلها بأن الرغبات لا يتم تغييرها، لهذا دخلت كلية طب الأسنان التي لم تحبها ولم تتقبل الدراسة فيها:
“لأحاول التخلص من كل ما فيه رسبت في العام الأول لكي أقنع أهلي بضرورة التحويل لكلية أخرى، ولكنهم أخذوا الموضوع بعِند، وصلت لأخر سنة وأنا أرسب مرة في كل عام دراسي، ما عدا العام الأخير رسبت فيه بسبب عدم قدرتي على الدراسة العملية، وهنا كان أهلي قد استسلموا لرغبتي في التحويل”. حاولت هالة أن تُحول إلى كلية الهندسة ولكنها أكتشفت أنه من الممنوع التحويل من كلية علمية إلى أخرى بعد مرور 5 سنوات على التخرج، وبهذا لم يكن أمامها سوى الكليات الأدبية، والتي أكتشفت أن قلة منها فقط هي المتاحة بسبب العدد المحدود: “كان على الاختيار بين كليات التجارة والآداب والحقوق واخترت كلية الآداب لأفاجيء بعد ذلك أن هناك تنسيقًا داخليًا في كل مادة يمنعني من دخول أقسام معينة مثل قسم اللغة الإنجليزية أو الفرنسية وأنتهى الأمر بدخولي قسم اليوناني”.
انتهت هالة من دراستها، وهي تشعر بإحباط وفشل كبيرين، لأن سنوات عمرها ضاعت في التحايل على حق من حقوقها في الحياة ولأن كلية الآداب لم تعطيها أي تعليم مناسب لتبدأ به مجال عمل مستقل، عوضًا عن المجهود الذي لاقته في دراسة تخصص أدبي لم تعتد عليه، وحاولت التحايل والعمل في مجالات بسيطة كما تصفها: “عملت في السكرتارية والتسويق وغيرهم من المجالات بل والتحقت بأحد كورسات التسويق الإلكتروني في الجامعة الأمريكية لألتحق بأي شيء يوفر لي وظيفة جيدة، ولكن النتيجة صفر، بالنسبة لأهلي أنا الأبنة الفاشلة التي رفضت تحقيق حلمهم فكل الأبناء يدخلوا كليات لا يرغبون بها ويستكملوا دراستهم، خاصًة بعد أن حقق أخي حلمهم ودرس هندسة البترول”.
الحق في التعليم واختيار التخصصات الدراسية هو أحد أهم الحقوق في الحياة التي يجب أن يقرها الإنسان بنفسه بدلًا من أن يختارها له أهله أو مجتمعه، كما لا يجوز التنميط والاستمرار في حرمان الفتيات من التعليم أو إجبارهم على البدء في دراسة معينة بسبب جندرهم، لقد تغير العالم وعلينا أن نتغير نحن أيضًا.