article comment count is: 0

لعلنا نبالي.. قراءة لا مبالية لفن الحياة

أنت الآن على موعد مع مقابلة شخص لئيم ماكر، يكيلون له الاتهامات، وأنت تكرّر وراءهم نفس الأسطوانة من حيث لا تدري: فاشل متكاسل سريع الغضب قلق متوتر ومنزعج دائما، خجول ومنبوذ وغير اجتماعي! حزين وكئيب ووحيد وبائس! جاحد وناكر للجميل! أحمق وبدين وخائف وفقير وهشّ نفسيا.

نعم، أنت تقابل للتو صورة ما عن نفسك! بل تقابل أسوأ نسخك.. فما الحلّ؟ هل تمنحها فرصة أخرى، أم ستجلد ذاتك مجددًا؟!

التقط أنفاسك واهجر مرايا السوشيال ميديا المشروخة “واهدئ يا صديقي… هذا جزء من جمال أن تكون إنسانًا”. كثير من اللامبالاة ناجعٌ جدا، ولو أردت أن تنقذ العالم، انقذ نفسك أولاً بعدم الإفراط في الاهتمام، وسيرتّب العالم نفسه من تلقاء نفسه.. “وتبدو سلة المفاجآت مدهشة”.

عفوًا، ذلك الشخص الذي قابلته في السطور السابقة، أقل ما يمكن وصفه أنه “إنسان مضطرب ومختل عقليًا”، أقلع عن الحياة ببساطة.. شخص ضعيف يتسلّى بالفرجة على العالم من وراء حجاب بينما يقرمش رقائق “السناكس”، “فلماذا تريدني أن أكون مضطربا عقليا؟!”.

“عدم الاهتمام الزائد لا يعني عدم الاكتراث مطلقا، بل هو يعني أن تهتم على النحو الذي يريحك أنت”، فقط اضبط مؤشر أولوياتك لمواجهة التحديات والصعاب، حتى لا تخسر في جميع الاتجاهات، وتبقى محصورا داخل رثائك لنفسك.

احتفظ بهامش اهتماماتك ووفّره للوقت المناسب والظرف الحتمي. هل تريد أن يكون عقلك ماكينة لاختراع المشكلات الهامشية التافهة مثل كومة القاذورات على ناصية الشارع التي لا يهتم بها عمّال البلدية بسبب إجازة عيد الأضحى؟!

أنت سيد قرارك وفي كامل نضجك ولك حرية الاختيار، وبإمكانك الآن أن لا تكمل هذا “الريفيو” عن كتاب “فن اللامبالاة” لكاتبه مارك مانسون، وتتساءل ماذا سيفوتني منه؟

ليس من السهل إطلاقا أن تُقدّم لكتاب ذائع الصيت، مثل كتاب “فن اللامبالاة”، الذي قيل بحقه الكثير والكثير، إلا إذا كنت ستبحث عن نفسك بين طيّاته، وها أنذا أشاهد نفسي في مرآته، وأحاول إقناعك أن تلقي نظرة على انعكاس صورتك على صفحاته!

يقول مارك مانسون إن “الغاية من هذا الكتاب أن يجعلك تفكر قليلا بمزيد من الوضوح في الأشياء التي تختار أن تعتبرها هامة في الحياة، وفي الأشياء التي تختار أن تعتبرها غير ذات أهمية”. إن “فكرة عدم المبالغة في الاهتمام بأشياء كثيرة، ليست إلا طريقة بسيطة في إعادة توجيه آمالنا وتوقعاتنا في الحياة وتحديد ما هو هام وما هو غير هام”، ويقودنا تطوير هذه القدرة إلى الوصول إلى نوع من الإحساس بالراحة يسميه “الاستنارة العملية”.

عبر فصول الكتاب، يمضي مانسون في إيضاح خطته عمليًا وبقصص شيّقة من أجل إنارة جوانب نفوسنا للوصول إلى السعادة الشحيحة في هذا العالم على هدى من حقيقة أن “الألم والخسارة أمران لا مهرب منهما، وأن علينا أن نقلع عن محاولة مقاومتهما”، بحسب ما عرف “بوذا” من تجربته الشاقة والعسيرة، وطبّقه المؤلف على بطله الخارق “باندا الخيبة”، الذي سامره ليلا وأسرّ له بحقيقة أن “السعادة تأتي من حل المشاكل”، واحدة تلو الأخرى، وإياك وإفساد الأمر بالإنكار والتشبث بذهنية الضحية.

يدعوك مانسون إلى عدم التحصّن بأوهامك المنيعة، فأنت “لست شخصًا خاصًا مميزًا”، كما يروّج أصحاب اتجاه المبالغة في تقدير الذات، فنحن “لسنا استثنائيين كلنا”، فهذه استراتيجية فاشلة تماما، وهذا لا يمنع أن نحسّن ونطوّر من أنفسنا باستمرار.

سيجيبك مانسون على أسئلة جوهرية تقابلنا في الحياة “لماذا أعاني… ولأي غاية؟ وما هي القيم الحياتية التي لا قيمة لها على الإطلاق؟ وماذا عن العوامل الوراثية والحظ؟… وما من إجابة قاطعة فـ”أنت في حالة اختيار دائم”، و”أنت مخطئ في كل شيء و(أنا كذلك)”، و”انتبه إلى ما أنت مقتنع به”، إذ “كيف تكون متأكدا من نفسك أقل من ذي قبل”، ولتعلم أن “الفشل طريق التقدم”، وستدرك أهمية أن تقول بملء فيك “لا.. لا.. لا..”.

في كتاب “فن اللامبالاة” طرح مختلف يناصب أساليب التنمية البشرية التقليدية العداء ويختلف معها تمامًا، فبرأي مانسون أن “كثيرين من مرشدي المساعدة الذاتية يعلّمونك أشكالا من الإنكار ويحقنونك بمختلف أنواع التمرينات التي تمنحك إحساسًا طيبا على المدى القصير، لكنهم يتجاهلون الأسباب العميقة”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً