سنة 2015 كنت أعمل في إحدى الشركات مع زميل أعتبره موهوبًا في مجاله، كان يقوم بعمله بشكل مختلف وعلى طريقته الخاصة، وعادةً ما كانت تأتي النتائج رائعة، يمتلك المهارات والرؤية والأدوات وله طابع خاص به في العمل.
كان يُحب أن تسير الأمور دائمًا كما يُخطط لها وكما يتخيلها، ولكنه كان على خلاف دائم مع المدير، زادت حدة الخلاف بينهما فقام المدير بالتخلّي عنه.
اتذكّر حينها حزن زميلي مما حدث وقلقه من المستقبل، لأن الفرص حينها كانت قليلة جدًا.
في سنة 2020 اضطر صاحب الشركة التي كنا نعمل بها إلى تصفيتها وإغلاقها، أما زميلي فيمتلك الآن عمله الخاص به، والذي ينمو بشكل جيد.
وصفة الطاهي لتخطي المِحْنَ
فيلم الطاهي أو “Chef” الذي يحكي عن “كارل كاسبر” وهو طبّاخ ماهر يعمل كرئيس للطهاة في مطعم بكاليفورنيا، ويمتلكه شخص يُدعى ريفا.
كارل يمتلك مهارة كبيرة وإبداع في إعداد أصناف طعام جديدة بمكونات غير اعتيادية، وأثار ذلك حفيظة أحد نُقّاد الطعام المشهورين في المدينة وانتقده بشدة لاستخدامه طرق ومكونات ليست من ثقافة المدينة، فتحداه كارل ودعاه ليتذوق أحد الأصناف الجديدة التي ابتكرها بنفسه.
يحتدم النقاش بين ريفا صاحب المطعم وكارل لأن ريفا لا يثق في الابتكارات الجديدة ولا يشجعها ويخشى على مطعمه من تقييم هذا الناقد ويأمر كارل أن يلتزم بالأصناف التقليدية التي يقدمها المطعم منذ زمن ويصل الأمر إلى طرد كارل من المطعم لرفضه الإلتزام بالوصفات التقليدية ورغبته في تقديم صنف جديد، كان ذلك في نفس اليوم الذي حضر فيه الناقد، وتم طرده أمام فريقه بشكل مُهين.
الجزء الذي توقفت عنده في الفيلم، وهو الأكثر قسوة في القصة، عندما دفعت الأحداث كاسبر ليس فقد إلى الحزن أو القلق بشأن المُستقبل والرزق فقط ولكن إلى الشك في قدراته الشخصية، في الوقت الذي عليه أن يجمع شتات نفسه وينطلق من جديد.
ينتشر خبر طرد كارل من عمله، فتقوم طليقته، التي تؤمن بكفاءته وقدراته ومهارته في الطهي، بدعمه وتقترح عليه أن يستغل مهاراته الخاصة في افتتاح مطعم جديد بتكاليف بسيطة، وليكن مطعم مُتنقّل في شاحنة كبداية، وتقترح عليه أن يستعين بشاحنة طعام قديمة وغير مُستخدمة كانت لأحد الأصدقاء.
وبالفعل يبدأ كارل في تنظيف الشاحنة القديمة ويساعده في ذلك ابنه، ثم ينضم إليه أحد أفراد الطاقم القديم الذي ترك العمل مع ريفا ويأتى ليساند كارل ويعمل معه لأنه يؤمن به وبموهبته في طهي أصناف جديدة.
تدور عجلة الأحداث ويتولى ابنه عملية التسويق من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يخلق سُمعة جديدة وجذابة للمطعم المُتنقل الجديد فيتفاعل معه الجمهور وينتظره من مكان لآخر، وتجد في النهاية الناقد المشهور الذي انتقده بشدة في بداية الفيلم يضطّر إلى مدحه ويدعوه إلى التعاون.
في كل مرة يتم فيها طردك أو التخلّي عنك أو رفضك في موقفٍ ما، تتولد لديك طاقة كبيرة من الألم والحُزن والشعور بعدم القبول وربما فقد الثقة بالنفس.
وإذا كنت مكان كارل –بطل الفيلم- وتم التخلّي عنك يمكنك أن تستغل هذه الطاقة بشكل إيجابي نحو إنجاز جديد.
وطبقًا لنموذج كارل ما يمكنك فعله في هذا الموقف هو:
1- تقبّل الأمر
الموضوع ليس شخصيًا، هذا يحدث مع معظم الناس، لا تشغل بالك كثيرًا بالانتقام ولكن فكّر في خطوتك التالية.
2- الهدنة
قف لهدنة نفسية بعيدة عن أي صراع أو منافسة، واستكشف فيها نقاط قوتك الشخصية من جديد، ثم ابدأ في تحدي نفسك لاجتياز هذه المرحلة والخروج بإنجاز جديد.
3- الحصول على مجموعة داعمة
نحتاج بشدة في هذه الأوقات إلى مجموعة من الناس الداعمة لنا والتى تثق بنا وتعزز لدينا ثقتنا بأنفسنا وبإمكانياتنا الشخصية.
4- اللجوء إلى مُوجِّه “Mentor”
إذا كان قرارك هو البدء في عملك الخاص، فأكثر من يفيدك حينها هو شخص خاض هذه التجربة قبلك واستطاع النجاح فيها، يخبرك عن العقبات والتحديت والخطوات التى عليك أن تتخذها.
5- الحصول على فريق صغير
فريق صغير يؤمن بقدراتك ومُتحمس للعمل معك، ربما في البداية تلجأ لفريق من المبتدأين أو ممن عملوا معك بشكل مباشر من قبل ويثقون بك.
6- بعض الأموال والموارد
الموضوع ليس مُستحيلاً، قد تحتاج إلى موارد مُستعملة أو متوفرة لدى أشخاص آخرين في دائرة معارفك عوضًا عن المال، أو قد تلجأ إلى اتخاذ شركاء معك يقومون بتوفير الموارد، أو يمكنك البدء بموارد قليلة وبعض الأموال القليلة وتبدأ بعدها بالتوسع والتحسينات من الأرباح.
7- مبادئ الإدارة
تحتاج في البداية إلى الدراسة والتعرف على بعض مبادئ الإدارة وخاصة علم التسويق، لكن للتبسيط في البداية يمكنك التعلّم ممن سبقوك فترى الطرق التى يعملون بها وتتعلّم منها.
في النهاية، خيار أن تبدأ عملك الخاص ليس الطريق الأسهل ويحتاج إلى بعض الصبر والمثابرة، ولكن إذا كُنت لديك المهارات الفنية اللازمة لعملاً ما فلما لا؟