يظن البعض أن المذاكرة هي فعل ينتهي بالحصول على الشهادة الجامعية، بل يبرهن البعض على صعوبة مهنة الطب وحدها بأن الطبيب لا يكف عن المذاكرة طوال حياته، حتى بعد الحصول على أعلى الدرجات العلمية، وكأن باقي أفرع الحياة لا تتطلب نفس الأمر.
الشغف وحب المعرفة
قبل التطرق إلى حتمية المذاكرة كفعل مستمر لا ينتهي، يجب أن نسأل لماذا يرى الأغلبية المذاكرة فعل ثقيل على النفس يحتاج إلى الكثير من الاستعداد والتحضيرات؟
بالتأكيد قابلت في حياتك ذلك الشخص المجنون بالإلكترونيات، أو السيارات كمثال، ستجده على علم بكل مستجدات عالم السيارات، يعرف أن الشركة الفلانية بصدد إنتاج سيارة جديدة بمواصفات معينة بعد تطوير المحرك الذي استخدمته الشركة من قبل في سيارة أخرى، هل فكرت أن هذه هي المذاكرة؟
ذلك الشخص يحب السيارات، ويتابع أخبارها، تلك المتابعة هي نوع من أنواع المذاكرة، وهنا نسأل لماذا لا يشعر ذلك الشخص بثقل المذاكرة؟ السبب الواضح هو شغفه وحبه لما يفعل وهو ما يجعله لا يشعر بأنها ثقيلة من الأساس، هو نشاط طبيعي يتسمتع به ويزيده علما هو يبحث عنه.
إذن المفتاح الأول هو الشغف وحب المعرفة، وهو ما يفتقده الأغلبية أثناء المذاكرة، خاصة مع مرور سنوات طويلة كان فيها التعليم نمط ثابت لا يراعي الفروقات الفردية والميول الشخصية، فكان يراه البعض يناسبه وكان يعاني منه البعض الآخر، أمر قدري لا يخضع لأي وجهة نظر علمية.
الأَثَرُ النفسي للمذاكرة
حتى الآن بمجرد التعرض لضغط عصبي شخصي أو عملي، تراودني كوابيس إمتحان الكيمياء، كابوس متكرر بصور مختلفة لكنه يحمل نفس الفكرة، أنا في لجنة الإمتحان وغير مستعد بالشكل المناسب، أَثَرُ نفسي عنيف أن يبقى في ذاكرة الإنسان ومخاوف تطارده بعد سنوات من تجاوز محطة صعبة في حياته.
بالعودة للطبيب الذي يستكمل عمره وهو في حالة مذاكرة، هل هناك وظيفة ما لا تستوجب نفس الشيء؟ أتفهم أن الطب يختلف بسبب أن تلك المذاكرة إجبارية للحصول على عدد من الشهادات بعد التخرج، لكنه بعدها يستمر في حضور المؤتمرات الطبية وقراءة الأوراق العلمية ليعرف كل ما هو جديد في مجال تخصصه، مثل أي مهنة أخرى، أحاول التفكير في مهنة لا يحتاج صاحبها لمعرفة الجديد فيها ليتحسن أداءه فلا أجد.
وهو ما يعني أن المذاكرة فعل إجباري لا فرار منه، وعدم ارتياحك لها قد يعني أنك في مكان غير مناسب لك، وليس العيب في فكرة أو مفهوم المذاكرة.
أما المذاكرة نفسها كفعل منفصل فهي لها العديد من الحيل حتى تجني منها ما تريده، كلها تدور حول معرفتك بنفسك وتفضيلاتك الشخصية، هل تحب إتمام عملك إلى أخره ثم تحصل على راحة؟ أم تحتاج إلى استراحة قصيرة من وقت إلى آخر؟ هل يكون تركيزك في أفضل حالاته عندما يكون محيطك هادئا؟ أم تحتج لقليل من “الدوشة” أثناء المذاكرة كخلفية ثابتة لأفكارك؟ والكثير والكثير من الأسئلة لا يعرف إجابتها إلا أنت.
لا يوجد طريق مختصر، أو ملزمة مراجعة نهائية تغنيك عن ساعات المذاكرة التي تهرب منها، حتى وإن حصلت عليها ستجد مكتوب في مقدمتها لو كان عملك هوايتك فلن تشعر بأنك تعمل أبدا وكذلك المذاكرة.