قبل سنوات أبحر صديقي وحيدًا في بحر التعليم المنزلي، عكس التيار السائد، وكان بمثابة نبي يبشر بتلك الرسالة وأهميتها، سخر منه الكثيرون لكنه أصر على استكمال نفس المشوار.
بمنتهى الحيادية لم أقف في صفه ولم أهاجمه فقط أفصحت عن تخوفي من علاقات ابنه الاجتماعية، المدرسة وإن رآها البعض غير مفيدة على مستوى التعليم، فهي على الأقل المساحة الأولى للطفل للاحتكاك بأقرانه وفهم طبائع النفس البشرية واختلافاتها، كان رد صديقي بسيط “احكم بنفسك حين تراه” ومع أول لقاء وقعت في غرام هذا الشاب الصغير، اجتماعي جدًا، ودود جدًا ومتحدث لبق.
لم أشعر بنفسي وأنا أقول “ممكن سيلفي” فوجدته يأخذ وضعية التصوير ويرسم الابتسامة، وبعد التقاط الصورة استأذن لأنه وقت اللعب، هكذا وصف الوقت الذي سيقضيه في المنطقة المخصصة للأطفال في أحد المطاعم، قبل أن يصل الطعام ويتم استدعائه مرة أخرى للطاولة التي نحتلها والمليئة بأحاديث غير شيقة بالمرة.
تمر السنوات ويضرب فيروس كورونا (كوفيد-19) ضربته، ويتحول العالم بالكامل إلى التعليم المنزلي بشكل إجباري، أول من أفكر فيه هو صديقي، أحدثه عن ابنه المستعد بحكم خبرته للتعليم بهذا الشكل، فأجد صديقي هادئ الأعصاب لا يشعر بكل هذا القلق الذي يشعر به جميع الأصدقاء بعد جلوس أبنائهم في المنزل.
الجميع خائف من تلك الوحوش الصغيرة غير المدربة على الجلوس في المنزل لساعات طويلة، كثير من الأهالي تعاملوا مع المدرسة على إنها مهرب لهم من أطفالهم المتحمسة، الأطفال عمومًا طاقة متجددة تحتاج لطاقة موازية لاستيعابها، والآن الجميع محبوس في غرفة واحدة، حتى وإن تغاضينا عن تلك الطاقات، فعلى الأقل طريقة التعليم نفسها مازالت جديدة على كل الأطراف، المدرسة والطفل والأهل، لذلك هناك الكثير من العراقيل ستظهر مع الوقت بالإضافة إلى مشكلة استيعاب الطاقة كما قلنا مسبقًا.
نعود إلى صديقي الذي طلبت منه بعض النصائح للتعامل مع الحدث الجديد الذي لا يعلم أحد متى تنتهي فكانت نصائحه كالتالي:
1. تقسيم الوقت:
الأب والأم يجب أن يحافظا على نظام المدرسة، عدد ساعات ثابت صباحًا للدراسة، يتخللها استراحات قصيرة للراحة وليس للعب، حتى يفهم الطفل الفرق بين وقت الدراسة الوقت العادي الذي يفعل فيه ما يحلو له.
المنزل للطفل هو مكان للعب والتعامل بحرية، من الصعب ترسيخ الفارق في ذهنه، لذلك التحول من الدراسة في المدرسة للدراسة في المنزل يجب أن يبقى فيه شيئًا من مواعيد المدرسة العادية.
2. راحة بعيدًا عن الشاشات
يزداد عدد ساعات قضاء الطفل أمام شاشة الكمبيوتر بطبيعة الحال، لذلك يجب أن تكون الراحة بعيدة تمامًا عن الشاشة، وبالتبعية حتى في وقت الطفل العادي بعيدا عن ساعات الدراسة يجب أن يكون هناك أنشطة أخرى لا تعتمد على الشاشات عموما، ويفضل بالتأكيد أي نشاط به حركة.
3. حركة بديلة
استكمالًا للنقطة السابقة، المدرسة بها الكثير من الحركة، الأطفال لا يكفون عن الحركة طوال اليوم، لذلك الجلوس في المنزل سيسبب لهم شعور دائم بعدم الراحة، لذلك يفضل وضع برنامج يومي لمدة 30 دقيقة يوميا من التمرينات البسيطة، كأنه طابور صباحي لكنه في المنزل، ولا يشترط أن يكون في أول اليوم.
4. فارق الوقت
عدد ساعات التي سيتم توفيرها بعد الجلوس في المنزل قد يصل أحيانًا إلى 3 ساعات، فلا يوجد وقت ضائع في الطريق إلى ومن المدرسة، كذلك الوقت المستهلك في الاستعداد صباحًا للمدرسة والراحة عصرًا بعد العودة منها، هذا الوقت يمكن استغلاله في بعض الأنشطة المنزلية، فيفهم الطفل مبكرًا أن هناك أعمال منزلية يجب أن يشارك بها بقدر ما.