قبل أي شيء أشعر بكسل شديد أثناء كتابة هذه السطور، يبدو أنني لست في “موود شغل”، سأذهب إلى المقهى المفضل لدي، سأشرب قهوتي، واستمع إلى بعض الموسيقى الكلاسيكية، من أجل أن أصل إلى حالة النشوة الكبرى لأكتب تلك السطور.
للآسف فعلت كل ما سبق، وما زالت الكلمات تائهة، سأطلب قهوة أخرى وأغير نوع الموسيقى، يبدو أنني أحتاج إلى راحة قصيرة، سأشاهد مجموعة من المقاطع المصورة على “”يوتيوب”، من أين أبدأ؟ كرة القدم كالمعتاد، أحب أن أشاهد شجارات لاعبي برشلونة وريال مدريد، أجد بها متعة ما، أرجوك ألا تخبر أحد بهذا السر، مرت ساعة والمقاطع تتوالى، حتى وصلت إلى خطاب تاريخي للرئيس الراحل أنور السادات في مجلس الشعب بعد انتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر.
تبا، بردت القهوة، سأطلب واحدة أخرى، وبمجرد وصولها سأبدأ في الكتابة، سأجري بعض الاتصالات التليفونية، مكالمة مع صديقي الذي يفكر في الانفصال عن زوجته، ومكالمة أخرى لصديقة تفكر في ترك العمل، كلامها علق بذاكرتي ووجدت به ضالتي، في كلماتها ما قد ينفعني لمقالي أسطورة مزاج العمل.
أتت القهوة، لم تكن جيدة، لو يعلم هؤلاء العاملون بالمقاهي العامة أهمية جودة القهوة وتأثيرها على المزاج العام، مقالي مهدد بشدة، مرت 3 ساعات ولم أكتب شيء، لا يوجد مشكلة فأنا كاتب ومفكر وأديب أو هكذا أظن، لا قيود أو هكذا أظن أيضا، لا شيء يدفعني للعمل ما دام مزاجي غير رائق، أغلق “اللابتوب” وأعبث في الموبيل لدقائق.
أتلقى اتصال هاتفي آخر، أحدهم يذكرني بأموال قد اقترضتها منه في الماضي ويريدها، أخبره بأني انتظر أموال قادمة قريبًا. أفتح اللابتوب مرة أخرى، وأبدأ في الكتابة وأنا أضع أمام عيني ديوني المتراكمة، فأجد الحروف تنساب بسهولة.
“موود الشغل“
ببساطة هي أسطورة، عندما أسمعها من أحد العاملين في مجال الكتابة والإبداع عمومًا، أصفعه ببعض الحقائق، أبدأها بسؤال “مين أعظم كاتب جابته مصر؟” تختلف الردود، فيأتي ردي “أديب نوبل” موظف الكتابة الأول.
الأديب صاحب طقوس الكتابة الثابتة البسيطة، غرفة مكتبه ودخان سجائره والقهوة، 6 ساعات يوميًا عدا الخميس والجمعة والإجازات الرسمية، يذهب إلى عمله في الصباح، ثم يعود إلى منزله ليتناول وجبة الغداء وينام قليلا، ثم يستيقظ ليعمل في مهنته الأخرى، 3 ساعات للكتابة ومثلها للقراءة، يكتب في الخريف والشتاء وذلك بسبب إصابته بحساسة في العين والجلد مزمنة تأتيه في شهور الربيع والصيف، روتين صارم لم يتغير سوى بعد خروجه على المعاش، لتتحول الكتابة في الصباح بدلًا من المساء.
لم ينته الأمر عند هذا الحد؛ أديب نوبل تعرض للطعن على يد متطرف أحمق، كانت نتيجة الطعنة التي أتته من الخلف هو عدم قدرته على إمساك القلم بيمينه كما تعود طوال سنين عمره، بمنتهى البساطة تتدرب على الكتابة باليسرى لتستمر مسيرة الإبداع، أما أنت يا صاحب المزاج المتأرجح إلى أين تظن نفسك ذاهبًا بإبداعك العظيم، هل ستضيف اسمك إلى قائمة الفائزين بنوبل في الأدب؟!
بنفس الطريقة يمكنك تطبيق طقوس الكاتب الأعظم في مجال عملك، الروتين الصارم هو الحل فمن يبحثون عن الأجواء الشاعرية والرومانسية أو المثالية قبل البدء في أعمالهم سيبقون هكذا، في نفس المربع، ينجحون مرة ويفشلون ألف، شماعات فشلهم جاهزة، ولن يروا أبدا السبب الأساسي وراء إخفاقاتهم المتتالية.
أما الروتين الذي يكرهه الجميع، هو أحد الطرق المضمونة للنجاح في أي مجال، كذلك تقسيم العمل إلى مهام صغيرة، يجعلك تشعر بتحقيق أهدافك سريعًا فلا تمل ولا تبتعد عن العمل، كما يساعد النوم الجيد على صفاء الذهن وتجديد الأفكار. تعلم فن الأولويات، ليست كل أعمالك يجب إنجازها الآن، قسمها حسب الأهمية والأولوية.
انتهى المقال بحمد الله، ما الذي سأكتبه المرة القادمة؟! لا أعلم لكن أظن أن طقوس الكتابة ستتغير قليلا ستبدأ بمكالمة صديقي الذي أدين له بالأموال.