article comment count is: 0

قبل “صافية لبن”.. للاعتذار أصول تتجاوز “المراضية”

لا يختلف اثنان على شخصية “أندرو سمير”، فسُمْعته تسبقه إلى أي مكان عمل فيه، فهو الهادئ لدرجة الوداعة، ومن الصعب أن تخرجه عن حالته تلك مهما زادت ضغوط العمل وتراكمت المهام، إلا أنه يفضّل المهام الفردية ويتجنب العمل بقدر الإمكان ضمن فريقٍ، وخاصة إذا زاد على 3 أفراد، ولذلك كانت مناوباته في العمل دائما مسائية.

اصطدم هدوء “أندرو” مع شخصية “عبد الرحمن محمد”، الزميل المناوب معه باستمرار، وهو على النقيض من “أندرو”، شخصية اجتماعية “مشاغبة”، لا يكفّ عن الحديث وإلقاء النكات ومشاركتك طعامه وسجائره، والتنقل بين المكاتب في مرح وتصاخب، وكان يحلو له أن يناكف “أندرو” رغم تحفظ الأخير الدائم معه، بل وتحذيره بالتزام حدوده، فهما ببساطة “ليسا أصدقاء”.

رغم كل التحذيرات، لم يترك “عبد الرحمن” زميله “أندرو” في حاله، وناله أخيرًا من “شرّ الحليم إذا غضب” خناقة كادت تصل حدّ الاشتباك بالأيدي. وأصيب الجميع بالفزع والصدمة وهم يسمعون “أندرو” يكيل الشتائم لزميله: “الجاهل المتخلّف الحيوان تربية (….)”!

كان فريق العمل قد دُعي سابقا إلى اجتماع عام دوريّ في اليوم التالي، وكانت تفاصيل “الخناقة” قد وصلت إلى الجميع بلا استثناء، فالحاضر أعلم الغائب، بل وزاد من عنده تحليله الخاص، إلا أن الواقعة أخذت أبعادا أخطر بكثير، فقد صبّ بعض الخبثاء الزيت على النار، واعتبروها “تمييزا طائفيا وتنمّرا عنصريا” في بيئة العمل!

بدأ الاجتماع كالعادة، وبدا أن الأمور طبيعية تماما، فليس هناك من جديد يُقال، أو قديم يُعاد. لكن كان لدى “أندور” جديد يستحق التوقف طويلا عنده، فقلد طلب الكلمة ووقف وسط الجمع المترقّب، ليفاجأ “عبد الرحمن” بالاعتذار الصريح الواضح.

لم يكن اعتذار “أندرو” عادياً، لقد كان درسا في أصول و”إيتكيت” الاعتذار في بيئة العمل، لم يكن مجرد “مراضية”، و”صافية لبن” انتظارا لـ”حليب يا قشطة”.

نستطيع أن نلخّص درس الاعتذار هذا في نقاط محدّدة، كما يليق بعقلية “أندرو” المنظمة المحددة:

المبادرة والإسراع

بالتأكيد، من الضروري أن نترك الأمور تهدأ، والأعصاب المشدودة تسترخي، لكن من الضروري أيضا الإسراع إلى إطفاء نار الواقعة سريعا، حتى لا تتمدد وتتفاعل أكثر، وهذا كفيل بقطع الطريق على الحوارات الدائرة في الخفاء بين الزملاء والقضاء عليها تماما.

“أنا آسف”

ربما فقدت الكلمة معانيها من كثرة تداولها وتكرارها، إلا أن الأسف في معناه الفعلي أن تبدي انزعاجك واستياءك من الموقف الذي اضطررت إلى الاعتذار عنه، بمعنى أنه موقف وضعك “في نص هدومك”، موقف لا تتمنى العودة إليه، بل وترجو من كل قلبك أن تعيد عجلة الزمن لتصحح موقفك وتبحث عن طريقة أخرى لمعالجة الموقف.

أسباب المشكلة

يرى البعض أنه لا مجال لفتح الحديث مجددا عن الموقف الذي استوجب الاعتذار، لكن توضيح أسباب المشكلة من البداية وحتى النهاية يضعها في حجمها الطبيعي، ويحمّل كل طرف حصته من المسؤولية، وكيف تطورت الأمور. كما أن إيضاح الأسباب كفيل بتجاوزها والعمل على إزالتها نهائيا.

الاعتراف سيد الاعتذارات

الاعتذار الناجح أساسه الاعتراف بالمسؤولية الكاملة عن الخطأ، دون تبرير، وأن الطرف الآخر فعل كذا يوم كذا، الساعة كذا، و.. و…، تجنب التبرير واختلاق الأعذار، لأن مثل هذه الأمور تفرّغ اعتذارك من مضمونه “النبيل”، ويجعله يبدو مجرد مغالطات، بل أكاذيب مكشوفة، تفقدك احترام الآخرين وتقديرهم لقيمة مبادرتك إلى الاعتذار.

التصريح بعدم تكرار الخطأ

نتعلم جميعا من تجاربنا، والحياة ممارسة مفتوحة على التعلم، فأن تخطئ مرة وتعتذر فهذا محمود بالطبع، لكن أن تخطئ ثانية وتحاول الاعتذار مجددا، فاعتذارك سيفقد معناه. وعليه فالاعتذارات بداية مراجعة موقفك، وتدريب نفسك على عدم تكرار هذا الفعل ثانية. وإعلان ذلك كأنك تُشهد الجميع أن يراقبوك وأنت تمرّن نفسك على ترويض غضبك.

تقديم عرض بإصلاح الضرر

قد يكون المجال في بعض المواقف متاحا لإصلاح الضرر الذي تسببته، ولذلك فإن تقديم عرض واضح ومحدد بإصلاح ما أفسدته يعتبر خطوة عملية دالة، فكما يقال “من أفسد شيئا فعليه إصلاحه”، وسيسعى آخرون بالتأكيد إلى مساعدتك لمشاركتك إصلاح الضرر إن استطاعوا.

طلب العفو أخيرًا

الآن أبديت الأسف، وأوضحت أسباب المشكلة، واعترفت بمسؤوليتك، ووعدت بعدم تكرار الخطأ، بل وبادرت إلى إصلاح الأضرار الناتجة عن الموقف، الآن وقد كبرت في نظر الجميع، يبقى أن تطلب الصفح والعفو من زميلك الذي أخطأت في حقه، بمقدورك أن تقول له “صافية لبن”، لأنك بالفعل قد صفّيت الموقف تماما، ونتمنى أن تكون أجواء العمل دائما “حليب يا قشطة”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً