نشرت صفحة “سوبر وومن” النسوية قرارًا أصدرته المحكمة الابتدائية في تونس بإلزام سيدة مطلقة بدفع نفقة لزوجها وأطفالها، وذلك تعويضًا لهم عن الضرر الذي لحق بهم جراء الطلاق ومساهمة منها في الإنفاق على أطفالها الذين في حضانة طليقها.
بمجرد أن رأيت هذا المنشور حتى شاركته على صفحتي، إذ وجدت فيه انتصارًا للمرأة التونسية وإقرارًا من الدولة بمساواتها للرجل.
ولكن ما إن مرت بضع دقائق فقط على مشاركة المنشور حتى انهالت علي المكالمات والرسائل من العائلة والأصدقاء الذين رأوا أني قد انحرفت تمامًا عن المسار الصحيح وأرائي أضحت مخالفة للشرع والأعراف المجتمعية.
دخلت في جدالات كثيرة للغاية حتى أصابني الإنهاك وقررت ألا أشارك أرائي الخاصة على صفحتي الشخصية وخاصة تلك الآراء النسوية، فيما بعد أدركت أنني لست الوحيدة فلدي صديقات مررن بالموقف نفسه.
عدوة الرجال
على فكرة بقى أرائك اللي بتقوليها ليل نهار على الفيس دي هتوقف حالك، محدش يرضى يتجوز واحدة من بتاعت حقوق المرأة
هكذا ردت علي شيرين عصمت حين سألتها عن موقف المحيطين من أرائها المناصرة للمرأة؛ ففي كل تجمع عائلي يجب أن يهاجموها ويسخروا من أرائها مذكرين إياها أن الرجل لا يحب المرأة المستقوية، وكرد فعل على مهاجمتهم المستمرة لها قررت شيرين أن تتوقف تمامًا عن إبداء رأيها في أي مسألة تخص المرأة، وعوضًا عن ذلك وجدت في جروبات النساء المغلقة ملاذًا آمنًا لأرائها.
بلوكات جماعية
بخلاف شيرين التي اختارت الحل السلمي للتعامل مع عائلتها، قررت إيمان ياسين أن تحظر كل أقاربها على الفيس بوك، تخبرني إيمان أنها لا تقاطع عائلتها بالعكس فهي تلتقي معهم بشكل أسبوعي ويقضون وقتًا رائعًا لكنها وجدت الحظر هو الحل المناسب الوحيد لأن الكثير في مجتمعنا لا يقبل بالرأي المخالف خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة.
تضيف إيمان أن مشاركتها في ترند منع تعدد الزوجات كان القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يخص موقف عائلتها منها؛ فبعد هذا الترند هاجمها الجميع بلا استثناء، المفاجأة لإيمان لم تكن في المهاجمة ولكن في أن أغلب الذين هاجموا كانوا نساء!!
حساب بديل للعائلة والعمل
دينا من فضلك بلاش أراء خلافية على الفيس بوك كل يوم والتاني، ومتنسيش إنك شغالة في مكان ليه اسمه وسمعته
كانت دينا ذاهبة إلى عملها الحكومي، وفي أحد الأيام استدعاها المدير حتى يخبرها بالجملة السابقة، عليها إذن أن تكف عن مشاجراتها المستمرة مع الجميع حول حقوق المرأة.
من وراء ظهرها كانت دينا تعلم أن زملائها في العمل يطلقون عليها اسم “المرأة المتوحشة” لأنها لا تتهاون أبدًا فيما يخص حقوق المرأة.
تخبرني دينا عن الأجواء السلبية الرهيبة التي كانت موجودة في بيئة العمل في رمضان الماضي، وخاصة حين كانوا يتحدثون حول مسلسل “لعبة نيوتن” ففي كان جميع زملاؤها يدعمون شخصية مؤنس في اعتدائه على زوجته؛ كانت دينا تقف وحيدة ضد الاغتصاب الزوجي ليرد عليها زملاؤها بأنه لا وجود لهذا المفهوم من الأساس!!
وحتى تتخلص دينا من هذا العبء المتجسد في زملاء عملها الذين تقضي معهم أغلب الوقت قررت أن يكون لديها حساب بديل؛ فهناك الحساب الوديع الذي لا تتشاجر فيه مع أحد ويضم أفراد العائلة وزملاء العمل، وهناك حساب آخر يجمعها بالأصدقاء الذين يتشابهون معها في الأفكار.
بالنسبة لي ولكل هؤلاء فالوضع خانق؛ نحن لا نؤذي أحد ولا نتطاول على بشر، نحن نعبر فقط عن آرائنا الخاصة، وبحكم كوننا نساء نعيش في مجتمع ضاغط على السيدات بشكل كبير فمن الطبيعي أن ندافعن عن بعضنا البعض، هي حملات من الدعم المعنوي ليس إلا، فلماذا كل هذا الهجوم؟