إنه أسوأ توقيت لإقالتك من وظيفتك، نهاية عام 2018، وقبيل أسبوع من الاحتفال بأعياد الميلاد. التشفي في “السيد الاستثنائي”، “عدو الصحافة”، جوزيه مورينيو، على أشدّه بعد طرده من تدريب مانشستر يونايتد إثر إخفاق مخيّب للآمال، فهل بلغت مسيرة “السبيشال وان” نهايتها؟
سحقا لهذا وذاك!
في أول مواجهة مباشرة بين مانشستر يونايتد وتشيلسي، بعد إقالة مورينيو بنحو شهرين (تولّى مورينيو تدريب الفريقين)، رجّت جماهير تشيلسي ملعب ستامفورد بريدج بالهتاف ضد مدرب الفريق: “سحقا، أوقفوا كرة ماوريسيو ساري العقيمة”، واقترح الضيوف من المدرجات متهكمين “فلتعيدوا جوزيه مورينيو!”.
شوهد مورينيو، العاطل عن ممارسة شغفه بالتدريب والفوز، يومها عبر شاشة “بي إن سبورتس”، حيث ملأ وقته كناقد ومحلل، لكنه التمس الصمت فيما يخصّ كواليس خروجه المذلّ من اليونايتد، والذي تكلف 19.6 مليون جنيه إسترليني كتعويض استثنائي.
لكن مورينيو أمام هذه الأرقام الصادمة، واهتمام الصحافة بوجهته وخطته المستقبلية، يكرّر: “أعرف جيدًا ما لا أريده! لقد فزت بالألقاب في كل مكان عملت فيه، ولا يُمكنني الهروب من عقليتي، عقلية الشغف بالفوز، ولهذا اضطررت إلى قول: لا، لثلاثة أو أربعة عروض مختلفة”.
الأدرينالينيّ مورينيو
مورينيو، البالغ من العمر 56 عاماً، يحرص دائما على الإشارة إلى سيرته الذاتية التي تضم 25 بطولة كبرى كمدير فني مع أندية بورتو وإنتر ميلان وريال مدريد، بالإضافة إلى فترتين في تشيلسي وفترة غير مكتملة في يونايتد.
رغم مرور الأسابيع بلا عمل، لكن ليس من الوارد أن يراجع مورينيو فلسفته الكروية “الصحيحة”، فلسفة الأدرينالين والشغف بالفوز. ولا يمنع أن يستمر كعادته في تحريك الرهانات بحيله الخاصة.
يتوجه هذه المرة إلى منافسيه، يورغن كلوب وماوريسيو بوتشيتينو، فكلاهما لم يكونا قد فازا بعد بأي من الألقاب خلال فترة الإقامة في إنجلترا، على الرغم من كسب الثناء الكبير على الفلسفات التي رسخوها في أنديتهم.
الأمر لا يحتمل الرمادية عند مورينيو: “بعض المدربين يحبون الترويج لفكرة الفلسفة في كرة القدم، لكن عليك أن تبيع الفلسفة بعد أن تفوز بها”. ويتساءل باستنكار: “إذا لم تفز بأي شيء، فأين المشكلة؟! إذا لعب فريقك جيداً، فإن فريقك سيفوز، لذا لا أحب تناقضات كرة القدم هذه الأيام”.
لكن تبقى وجهة مورينيو المقبلة لغزًا، لكنه بدأ حضور المباريات، مُلمحًا إلى أنه مستعد للعودة، وتتناثر الاجتهادات حول جدوله الزمني للعودة إلى الإدارة الفنية قبل موسم 2019- 2020.
البحث عن السعادة
يبدو أن مورينيو تحرّر نوعا ما من أسر كرة القدم، وقرر أن يبحث عن السعادة! إنه تكتيك مختلف حقا. يذهب مورينيو لمشاهدة تدريب آندي موراي قبل ربع نهائي زوجي التنس في بطولة ويمبلدون.
ويثير الحديث حول احتمالية أن خطوته التالية في ألمانيا، حيث يضيف الألمانية إلى ذخيرته اللغوية إلى جانب 5 لغات أخرى.
ويزور أيضا مرآب فيراري، ويكافح لاحتواء حماسه وتصاعد الأدرينالين، وقد رغب من كل قلبه في أخذ دورة بحصان فيراري الجامح ويلفّ فقط عجلة القيادة. إنه يستمتع بوقته.
انعطافة لعجلة القيادة
الوقت يتبدد، وعودة مورينيو المنتظرة مع الموسم الجديد، كما خطّط، تتلاشى. تارة لا يقدر نادٍ طامع في خدماته على كلفته المالية، وعرض آخر مغرٍ سيفرض عليه أن يطلب كرة القدم ولو في الصين.
لكن جوزيه يفاجئ الجميع بـ”الخطة البديلة”، “الخطة ب”، كأنه يقول إن لم أكن حاضرًا على خطّ التماسّ فسأكون حاضرا في قلب الحدث، كمحلل رئيسي بتعاقد رسمي ضمن فريق تحليل قناة “سكاي سبورتس”، معقل الدوري الإنجليزي. ويخطف “الاستثنائي” الأضواء من الجميع ويعيد الاعتبار لنفسه.
“مورينيو ناقد كروي رائع، وربما هذا لم يكن مفاجأة، بالنظر إلى حبه للكاميرا وثقته وتقديره لذاته مع بعض الاشمئزاز الخفي تجاه كل شخص آخر في الغرفة، هذه قد تكون الصفات نفسها التي أسهمت في توقف غير متوقع لمسيرته التدريبية، لكن نقلها إلى الاستوديو أسهم في نجاحه بشكل مذهل، إنه يتمتع بكاريزما وجاذبية مدهشة”، هكذا يعلق جوناثان ليو، المحلل الرياضي في جريدة “الاندبندنت”.
“تكييف الخطة ب”
هكذا جعل مورينيو نفسه مطلوبا من جديد، والعروض تتوالى، ويفكر في الجمع بين كاريزما المحلل الرياضي المتألق، وتجربة مغامرة تدريب المنتخبات والمشاركة في كأس العالم “الآن أرى نفسي في منتخب وطني أكثر من الانضمام لنادٍ جديد، فهل البرتغال هي الفريق المناسب لي؟ ليس بالضرورة”.
رهان المال يختار الحماسيين
لهجة السيد مورينيو تبدأ في التغير، إنها لهجة واثقة حماسية. يبدو أنه يتكتم على خطوة مقبلة في طور رسم التفاصيل النهائية. ووجهة مورينيو تفتح باب الرهان أمام الجميع للاجتهاد.
عقلية الربح الاقتصادية تجد نفسها في مأزق حقيقي في توتنهام، كل شيء مهيأ، أموال طائلة تُنفق واستاد جديد مبهر، لكن النقاط تتساقط وأسهم المساهمين مهددة بالتراجع، والمدرب ماوريسيو بوتشيتينو يُشكر على جهوده، لكن بورصة الأموال لا ترحم!
“هذا فريق ينقصه الفوز” كما قال مورينيو ذات مرة. وقد كان الرهان عليه من دانييل ليفي، رئيس نادي توتنهام، الذي برأيه “يمكنه إلهام فريقنا وجلب الطاقة والإيمان إلى غرفة الملابس”.
مورينيو الآن عند خطّ التماسّ يمارس شغفه اليومي مع توتنهام الشابّ، وقد أثبتت البدايات القوية أن الرهان رابح، والأهم أن خطة مورينيو لإعادة الاعتبار إلى مهنته، وإلى شخصه، نجحت بامتياز، فالفشل والطرد ليسا نهاية العالم.
التجربة قابلة للتكرار مع الجميع وفي كل وقت، فقط ابحث عن الخطة وبدائلها ولا تحرم نفسك من تعلم جديد، واقتناص لحظات سعيدة.