لابد أنك سبق ورأيت هذه الصورة على مختلف منصات مواقع التواصل الاجتماعي؛ شاب أنيق يجلس في مقهى ستاربكس يحمل كوب قهوة من الحجم الكبير وأمامه اللابتوب الخاص به، وهناك أيضًا صورة أخرى لأم تجلس في بيتها أمام لابتوب آخر وحولها أطفالها يلعبون بهدوء وهناك ابتسامة رضا تعلو محياها، أنا أيضًا رأيت تلك الصور وحلمت دومًا بالعمل على هذا النحو ولكن الحقيقة هي أن الصور لا توضح الحقيقة ولا تعكس أبدًا حقيقة العمل الحر، ولهذا دعونا في هذا المقال نتحدث معًا عن تحديات هذا العمل والصعوبات التي تواجه الفريلانسرز:
المهام الغامضة
لدي أصدقاء كثيرون يعملون في مجال العمل الحر ولكني أرى أن الأكثر معاناة بيننا هم مصممي الجرافيك والمترجمين؛ في الحالة الأولى قد يطلب العملاء شعارًا لحملة تجارية ما ولكنهم لا يضعون أي رؤية خاصة بهم لهذا الشعار وبالتالي يقع العبء كله على مصمم الجرافيك وحين ينجح أخيرًا في صنع الشعار المجهول يتم رفضه مرارًا وتكرارًا لأنه لا يعجب العميل الذي لم يحدد من البداية أصلًا رؤيته.
بالنسبة للمترجمين فالمشكلة تكمن في المقدار الهائل من التعديلات التي تُطلب منهم والتي تجعلهم على أهبة الاستعداد للعمل طوال اليوم لأن مشروع الترجمة مقرون بوقت محدد، هذه الطلبات والتعديلات تستنزف الكثير من الوقت والجهد وقد تسبب الإحباط للموظف الحر وتجعله يشعر بالفشل وعدم الإنجاز.
تحديات التدفق المالي
كان أبي طوال حياته موظفًا حكوميًا ولهذا كان يؤمن بالمثل الشعبي الشهير “إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه” لم أقتنع أبدًا بهذا المثل ولم أحلم يومًا بأن أحذو حذو أبي وأعمل بوظيفة حكومية رتيبة ولكني اليوم وبعد سنوات طويلة من العمل الحر ربما تفهمت أبي قليلًا، ربما ميزة العمل الحكومي لا تكمن في الوظيفة نفسها ولكن في الإحساس بالأمان الذي تخلفه بداخلنا، الطمأنينة التي تجعلنا ننام كل ليلة ونحن متأكدون أن أمورنا على ما يرام.
الحال معكوس في العمل الحر؛ فمن أكثر الجوانب السلبية للفريلانس هو عدم التأكد من التدفق المالي فقد يشهد شهر أغسطس على سبيل المثال تدفق مالي جيد في لا تأتي أرباح شهر سبتمبر جيدة، وهو أمر محبط للغاية.
العزلة الاجتماعية
حين تعمل في وظيفة نظامية من المكتب فأنت تستيقظ كل يوم صباحًا؛ تأخذ حمامًا دافئًا ثم ترتدي ملابسك وتنزل إلى الشارع لتقابل الكثير من الناس، وفي مقر عملك قد تعقد بعض الصداقات، وهذا لا يحدث بالنسبة للعمال المستقلين، فنحن نقضي كل الوقت إما في المنزل أو قد نذهب لأحد الكافيهات بمفردنا للحصول على اتصال قوي بالإنترنت، كل هذا يضعنا في عزلة اجتماعية صعبة خاصة، بالنسبة لي مثلًا أجد مجرد النزول إلى الشارع أمرًا جلل ويستنزف الكثير من طاقتي وذلك لأني اعتدت منذ وقت طويل على عدم النزول.
انعدام الأمان الوظيفي
يجب القول أن انعدام الأمن الوظيفي يؤثر بشكل ضار جدًا على الصحة النفسية؛ فحين تشعر بأنك عاجز عن الحفاظ على استمرارية عملك بشكل منتظم ستُصاب بالقلق والإجهاد وبعدها سيطرق الاكتئاب بابك؛ ماذا ستفعل حينها؟ إما ستستسلم للشعور بالقلق والاكتئاب أو ستصبح مدمنًا على العمل وتنخرط في الكثير من المشروعات حتى تحقق قدرًا من الأمان الوظيفي وفي كلا الحالتين سوف تتأثر صحتك النفسية.
صعوبة تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة
الاستقلالية هي عامل جذب رئيسي للعمل الحر: فهنا ستكون قادرًا على تحديد ساعات العمل الخاصة بك، واتخاذ قراراتك الخاصة، وتحقيق التوازن بين العمل والأسرة، ومع ذلك ووفقًا للعديد من الدراسات تبين أن العمل الحر لم يحقق أي توازن بين العمل والحياة الخاصة فقد ذكرت دراسة أسترالية عام 2004 أن الرجال لم يحصدوا أي فوائد صحية من العمل الحر، في حين أن النساء العاملات لحسابهن الخاص لديهن في الواقع صحة أسوأ من النساء اللائي يعملن في وظائف تقليدية.
وتوصلت دراسة هولندية إلى النتيجة ذاتها، فالموظف الحر يصبح غير قادر بمرور الوقت على الفصل بين العمل وحياته الشخصية؛ إننا نتفقد البريد الإلكتروني على طاولة العشاء وفور أن أضع أطفالي في سريرهم ابدأ في تحضير أفكار للمقالات التي يجب تسليمها وهو ما يجعل الأمر مرهقًا للغاية.
في النهاية، يجب أن ننظر دومًا إلى الصورة الكاملة لأي عمل؛ بالطبع كل وظائف العالم تحتوي على صعوبات وتحديات ولكن هناك صورة نمطية شائعة عن العمل الحر بأنه عالم وردي نستيقظ خلاله في أي موعد يلائمنا دون ضغط من مدير أو مؤسسة ولكن الحقيقة هي أن لدينا العديد من الضغوط الأخرى.