سنة 2017 تخرّج صديق لي من الجامعة وبعدها بأقل من شهر عمل في مؤسسة تنموية كمدير مشروع، ليس محاسب بالمشروع ولا مساعد ولا منسق أو مُيسّر ولا حتى مُشرف، بل هو مُدير المشروع ويعمل تحت إداراته عدة أشخاص، فمن أين أتى بالخبرة وهي معضلة كل حديثي التخرّج؟ وعندما سألته أجابني: بفضل الأنشطة الطلابية!
ما هي الأنشطة الطلابية؟
هي كيانات صغيرة تتكوّن من الطلاب داخل الجامعة ولها فعاليات وأنشطة ومشروعات تخدم باقي الطلاب أو البيئة والجامعة أو تنشر الثقافة والوعى والعلم، وربما البعض منها لديه برامج للتبادل الطلابي على مستوى محلى أو عربي أو عالمي.
وقد تكون الأنشطة الطلابية اتحاد الطلاب أو أسرة أو نشاط طلابي مستقل على مستوى الجامعة أو كيان طلابي جديد.
ماذا ستستفيد من انضمامك إلى الأنشطة الطلابية خاصة إذا كنت في أول سنة لك في الجامعة؟ هكذا سألت صديقي، فأجابني بإجابة مطولة.
على المستوى الشخصي:
– طفرة في المهارات الشخصية المؤهلة لسوق العمل، مثل مهارات التواصل والعمل الجماعي وربما القيادة وتحديد الأهداف وحل المشكلات والتفكير المنطقي والتعامل مع أنماط الناس المختلفة.
– طفرة أيضًا على مستوى النُضج والاهتمامات الشخصية والقدرات العقلية وفهمك للأمور وقدرتك على حل المشكلات وتعاملك معها، فقد صرت الآن مؤثرًا فاعلًا لا مجرد مستفيد أو متلقي للفعاليات أو الأنشطة، وقد يشعر أهلك وأصدقائك المقربين بهذه الطفرة فاهتماماتك والمجالات التي كنت تقضي وقتك فيها لما تعد هي نفسها.
– يصبح لديك جاهزية حقيقية لسوق العمل لأنك تتدرب بالممارسة على العديد من أحداثه مثل التقديم للوظيفة والمرور بالمقابلة الشخصية والحديث عن نفسك وإمكانياتك ومهاراتك، ثم العمل على أهداف ومشروعات مشتركة في فريق عمل والمطالبة بتحقيق نتائج ملموسة والتعامل مع خلافات العمل وأحيانًا العمل تحت ضغط والعمل الجماعي والتواصل الرسمي في بعض الأنشطة الطلابية كما في بيئة العمل، ثم التخطيط وإدارة الاجتماعات، وأخيرًا اكتساب الثقة بالنفس (انت الآن تقوم بشيء إيجابي ينتج نتائج إيجابية يمكنك الحديث عنه بثقة كاملة).
– الآن أصبح لديك ما تكتبه في السيرة الذاتية وأنت ما زلت طالب، أثناء العمل في الأنشطة الطلابية انت مُعرّض للعب الكثير من الأدوار وتحمل العديد من المهمات والتعامل معها لتحقيق نتائج، ومن ثم التعرض للكثير من المشكلات والتحديات التي يجب عليك التغلّب عليها، وبالتالي تتكون لديك الخبرة العملية والممارسة لأدوار ومهمات شبيهة لما سوف تقابله في بيئة عملك فيما بعد مما يُصقل مهاراتك ويؤهلك للتعامل معها بشكل أفضل في المرات القادمة.
على المستوى الاجتماعي:
– الشعور الذي يملئك أنك تقدم شيئًا نافعًا للمجتمع يجعل لحياتك ومجهودك معنى سامي تعيش من أجله، وقد نصحني صديقي بعدم الاستهانة بهذه النقطة، فهناك فرع كامل في علم النفس للعلاج بالمعنى لمن لا يشعرون بمعنى أو هدف سامي لحياتهم.
– رأس المال الاجتماعي: تكتسب العديد من العلاقات والثقل الاجتماعي على مستوى الزملاء أو الموظفين أو حتى إدارة الكلية أو الجامعة، وقد تمتد أطراف العلاقة لتشمل آخرين يعملون في التنمية خارج الجامعة أو الشركات الممولة للأنشطة الطلابية أو أنشطة طلابية من مدن أخرى أو ربما من دول لأخرى مما يسمح لك بالاحتكاك بثقافات أخرى محلية أو دولية.
– تتعلّم كيف تتعامل مع كل مقام: تتعلّم كيف تتعمل مع زملائك من الطلاب وتحدثهم بما يناسبهم وكيف ان الطريقة مختلفة في التعامل مع اساتذة الجامعة ثم ما هي الطريقة الرسمية لمخاطبة الشركات وكيف تقدم لهم مقترح لمشروعكم وافي وكيف تولّد لهم مزايا لتقنعهم.
– تمارس القيادة بشكل عملي: تتعلم كيف تقود الآخرين وكيف تؤثر فيهم وتقنعهم وكيف تشجّع فريق عملك وكيف توزع عليهم المهام بما يُحسن كلٌ منهم صنعه وكيف تقوّم كل شخص على حدا.
على مستوى الفرص للمستقبل:
– مسئولين الموارد البشرية فى الشركات فى المقابلات الشخصية يعملون على اختبار معارفك ومهاراتك العملية وسلوكياتك فى التعامل مع الآخرين ومع بيئة العمل وزملائك وهذا ما يتم صقلك فيه داخل الأنشطة الطلابية تعلّم للمهارات بشكل قوى وبالممارسة تعلّم للسلوكيات الصحيحة بالممارسة وربما بالتجربة والخطأ خبرات عملية وأهداف تم تحقيقها بالفعل.
– يساعدك رأس المال الاجتماعى والعلاقات على الحصول على العديد والعديد من الفرص دون مجهود منك، فتجد من زملائك من يشارك معك مؤتمر في مكان ما او تدريب مجانى في مكان آخر او ربما تدريب صيفي فى شركة كبيرة او منحة دراسية او وظائف للطلبة، وعلى صعيد آخر العلاقات تجعل لديك من يرشحونك إلى مناصب جديدة فى أماكن لا تعلم عنها شيئاً، ذكّر لي صديق ذات مرة انه فى مقابلة شخصية كان يجريها فى شركة مرموقة بالصدفة كان هو ومسئول الموارد البشرية يعملان فى نفس النشاط الطلابي ولكن فى مدن مختلفة وهذا ما اعطى له ثقل وموثوقية لدي مسئول الموارد البشرية.
– سوق العمل يبحث عن من لديه المهارة العملية والخبرة ولو قليلة وفى الأنشطة الطلابية انت افعل ذلك
– وقد تفكر فى بدأ شركتك لا العمل كموظف فتسمح لك علاقاتك فى الانشطة الطلابية باختيار شركاء يشاركونك نفس الاهتمامات والعقلية او ربما اختيار موظفون أكفاء موهوبون ممن تعرفت عليهم فى الأنشطة الطلابية.
– هناك بعض الشركات المرموقة تكتب ذلك فى إعلانات التوظيف لديها “نُفضّل من له خبرة فى الأنشطة الطلابية”.
– تسهّل عليك الحصول على المنح الدراسية المحلية او العالمية لأن معظم هذه المنح يشترط على المتقدمين ان تكون لديهم خبرة فى الأعمال الاجتماعية او الانشطة الطلابية.
– تمهد لك أيضاً فى الحصول على التدريبات الصيفية فى الشركات.
– تمهد لك الحصول على وظيفة فى مجال الهيئات والمؤسسات التنموية لأنك بالفعل تكون قد بنيت خبرة مناسبة لهذا النوع من العمل.
أكمل صديقي انه فى عام 2013 عمل كمدير لمشروع بأحد الأنشطة الطلابية فى الجامعة وكان يدير ما يقارب المئتين متطوع من طلاب الجامعة مما سمح له بالتعلّم والتجربة والخطأ وبناء الخبرة والسعى نحو تعلّم كيف يدير كل هؤلاء وكيف يتحدث إليهم وكيف ينظم اعمالهم لتحقيق الاهداف وكيف يضع لهم هيكل عمل مناسب والتعامل مع التحديات فى قيادة فريق عمل كبير ومن ثم تحقيق أهداف كبيرة، مما ساعده فى الحصول على جائزة افضل قائد لنشاط طلابي فى هذا العام من جامعته. وهذا بالضبط الذى مهّد له عام 2017 العمل كمدير مشروع وهو مازال حديث تخرّج.
إذاً، هل الأنشطة الطلابية كلها جيدة، الإجابة: لا.
إليك بعض الاشياء التى عليك الحذر منها في الأنشطة الطلابية :
(1) عدم ترتيب الأولويات والاهتمام الزائد بالأنشطة الطلابية مما قد يسبب لك الفشل الدراسي فى الجامعة فما زال الهدف الأهم لوجودك فى الجامعة هو الدراسة.
(2) الإنخراط الزائد فى الضغوط والمهمات المطلوبة مما قدر يُكدّر عليك حياتك، خذ الامر على محمل الجد ولكن بقدره لا أكثر ولا أقل.
(3) الإحساس بالعظمة الزائفة والعلم بكل شئ، وهو إحساس بعدم الحاجة لخبرات إضافية او تعلّم إضافي انا نجحت فى النشاط الطلابي إذاً أنا عظيم ولا احتاج لتوجيه او العمل تحت إشراف من هو اكثر منى خبرة وقد يفسد عليك هذا الإحساس عملك فى المستقبل.
(4) الاستغلال: بعض الأنشطة الطلابية تستغل متطوعيها لتحقيق مصالح شخصية او قد يتم استغلال النشاط الطلابي بأكمله بالمجان لتحقيق مصالح تجارية.
(5) الاشتراك فى أنشطة طلابية بلا أهداف أو انشطة واضحة مما يعمل بالعكس على ضياع الوقت بلا جدوى او خبرة او مهارة تكتسب وتثبيط همتك للعمل فى الأنشطة الطلابية.
(6) الاشتراك فى أنشطة طلابية لا تعتنى بمتطوعيها وليس لديها اخلاقيات عمل او قيم واضحة.
أقرأ أيضا: إذا كنت طالبًا جامعيًا جديدًا.. احذر هذه الأخطاء