تجربة الجمع بين وظيفتين بدوام كامل تعتبر من أصعب التجارب التي قد نمر بها، فما بالك أن تجمع بين وظيفة “الأمومة” وطبيعتها التي تفرض عليك العمل 24 ساعة، ووظيفة أخرى لها متطلبات ومهام وضغوط، إنها المهمة الأكثر إرهاقًا؛ خاصًة مع مؤسسات عمل ترى أن الأم العاملة هي استثمار غير مربح في مقر العمل.
من بين كثير من التحديات تظهر في الطريق نساء تمكن من كسر الصور النمطية وحققن نجاحات جيدة تستحق الاحتفاء.
قررت التحدث مع شيماء علي، 37 عامًا، مديرة العلاقات العامة في أحد الشركات، وتخرجت من كلية العلوم وعملت كمدربة بوحدة العلوم في مكتبة الأسكندرية وبعد فترة قررت بدء مشروعها الخاص هي وعدد من الشركاء على إنشاء تطبيق إلكتروني، وتزامن مشروع شيماء مع حملها وبدء أمومتها، ولكن رغم كل شيء تحاول تحقيق التوازن بين الأمرين.
مرحبا شيماء، حدثينا عن طبيعة عملك وعدد الساعات التي تقضيها فيه؟
أعمل مديرة العلاقات العامة في تطبيق “هوايا”، أعمل بدوام كامل من المنزل حاليًا، بسبب تداعيات فيروس كورونا، 5 أيام أسبوعيًا من ( 9-5)، هناك مرونة في ساعات العمل ولكني لا أنكر أن البداية كانت صعبة، فمقر العمل في القاهرة وأنا أقيم في الإسكندرية لهذا كنت أقضي أسبوعي في القاهرة، قبل الجائحة، وأعود في نهاية كل أسبوع لأخصص كل وقتي لزوجي وابني.
حاليًا أعمل من المنزل والوضع مستقر بالنسبة للخروج، ولكن لا أنكر أن خلال فترة الحجر المنزلي كان هناك ضغطًا كبيرًا علينا بسبب زيادة عدد المستخدمين للتطبيق في تلك الفترة.
كيف تحققين التوازن بين كونك أم وكونك امرأة عاملة وزوجة؟
التوازن عمليًا وواقعيًا صعب، لأن هناك بعض العناصر تتطلب مني الكثير من الوقت، وهذا بالتأكيد سيؤثر على شيء آخر، إما الأمومة أو العمل ليس لدي ثالث بينهما.
بدأت مشروع العمل مع بداية حملي، وفي تلك الفترة كنت أُكرس كل وقتي للعمل، لكن في أول 6 شهور من الأمومة كان كل الوقت والاهتمام بأبني وحسب، بعد تلك الفترة تفاقمت المهام وأهملت في بيتي كثيرًا، ولم أعد اهتم بتفاصيله كما في البداية.
لا أنكر أن زوجي وأمي كانا يساعداني كثيرًا، ولكن الدرس الأهم بالنسبة لي أن لكل وقت أولوياته، هذا هو المبدأ الذي أعمل به، فبعدما كبر أبني قليلًا أصبحت أذهب به إلى الحضانة أو أتركه لوالدتي، كل ذلك ساعدني على تجاوز هذه الفترة وتلك التحديات.
ما هي أصعب التحديات التي تواجهك؟
تحقيق التوازن هو التحدي الأكبر الذي أواجهه، والتحدي الآخر هو النجاح في عملي وسط كل ما لدي من مسؤوليات، فالأمومة ليست سهلة والتحقق في العمل ليس أمرًا سهلًا أيضًا، خاصًة أني أعمل على نشر تطبيق جديد وثقافة جديدة مختلفة عن تطبيق التعارف الخاص بنا، في ظل سمعة سيئة لتطبيقات المواعدة، وهذا ما يشغل بالي طوال الوقت، كيف أحقق النجاح له وكيف أصل إلى أفضل النتائج، لهذا ذهني مشغول دائمًا.
هل يقوم أحد بمساعدتك في هذه المسؤوليات؟
بالتأكيد لم أكن لأوجد في مكاني الآن بدون الكثير من المساعدات، أول مكان لجأت إليه كان الحضانة، التي ساعدت في تسهيل عملي كثيرًا.
كنت أسافر إلى القاهرة، وأسافر إلى بلاد مختلفة وابني كان لديه سنة ونصف، فكنت أتركه لأمي أو أختي، والده كان له دور كبير في مساعدتي، كل وقته كان مُكرس لأبني، على عكس عملي أنا وقت الكورونا، كان ذروة العمل لدي، على عكس زوجي، مما شكل ضغط وقت بالنسبة لي.
زوجي كان يشاركني في كل شيء، غسيل الأطباق وشراء الأشياء والاعتناء بالطفل أثناء أجتماعاتي، وهذا ما جعل هذه الفترة تمر بسلام.
ما النصيحة التي تقدميها للأمهات اللاتي يجمعن بين العمل والأمومة؟
تنظيم الوقت لنفسي ولأبني هو سر نجاحي. فقد قرأت كثيرًا عن تنظيم نوم الطفل وعن تنظيم وقتي أيضًا وهو ما يساعدني كثيرًا، لذلك أنصح به كل الأمهات، وليس الأمهات العاملات فقط؛ لأنه سيساعد الطرفين على الحياة الصحية.
كأم عاملة، ما هو الشيء الذي ترغبين بتغييره في عملك أو الثقافة العربية بشكل عام؟
أتمنى أن يُقدر الوطن العربي فكرة الأم العاملة ولا يتصوروا أن الأم العاملة هي أم مُقصرة دائمًا أو موظفة مستهترة، وكائن لا يمكنه النجاح أو التفوق. كل هذا غير صحيح، لأني أعرف أمهات عاملات كثيرات يفعلن أكثر مما يفعله الموظفون العاديون، أتمنى النظر للأم العاملة بدون صورة نمطية وحكم مسبق عليها وتوقع الأسوأ منها.
أرى كذلك أنه من حق الأم أن تأخذ سنة كاملة إجازة بمرتب لرعاية الطفل بدلًا من ال 4 أشهر؛ لأن الطفل يحتاج إلى الكثير من الرعاية الفعلية، ولا يجب أن نَنظر لهؤلاء الأمهات على أنهن يأخذن مرتب دون وجه حق.
كما أجد أنه من المهم توفير حضانة للأم بجانب العمل، خاصًة إن كان طفلها صغير جدًا.
كيف هي حياتك الاجتماعية/ هل تفعلين شيئًا خارج نطاق الأمومة والعمل؟
بعد أن أصبحت أم، لم يكن لدي أي وقت لحياتي الاجتماعية أو الشخصية، ابتعدت عن فعل الكثير من الأشياء مثل مقابلة الأصدقاء ومشاهدة الأفلام أو القراءة وغيرها من الأمور.
كان كل وقتي للعمل ولطفلي، ولكن بعدما كبر طفلي قليلًا بدأت أستعيد نشاطاتي، ليس بالشكل المثالي، ولكنها أفضل مما سبق. كما عدت لممارسة هوايتي الأساسية وهي السفر، فكنت أخذ يوم إضافي بعد كل مهمة عمل بها سفر لأستكشف الدولة التي أسافر فيها.
هل هناك قوانين للعمل في المجال الذي تعملين به تُيسر عليكِ مهمتك كأم عاملة؟
التطبيق الذي أعمل به تابع لشركة عالمية معروفة، لهذا نتبع قوانين عمل مريحة بنسبة كبيرة. يسرت لي عملي كأم، أولها أن هناك مرونة في ساعات العمل، فيمكنني أن أختار الوقت الأنسب لي دائمًا.
بالإضافة إلى الإجازات الرسمية، لا أحد يحدثني أبدًا خلالها، في البداية كل هذا كان صعب، خاصًة أن العمل كان مضاعف لكن مع الوقت تحسنت الأمور. وبت أعرف أن هناك أوقات أخصصها تمامًا لأسرتي وطفلي وأوقات لعملي.
هل يُقدر المجتمع وعائلتك الدور الذي تقومين به؟
أفاجيء من وقت لآخر بدعم كبير من الأصدقاء والمتابعين لي، فتجيء ردود إيجابية من الجميع حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، وكثيرين يحبون سماع قصتي وتحديات الأمومة بالنسبة لي.
واكتشفت أني بكلامي كنت أُحفز الكثير من النساء على التوازن بين العمل والأمومة، ولهذا أجد الكثير من هؤلاء يرسلون لي ويخبروني أني ساعدتهم في النجاح في عملهم بجانب أمومتهم، ويسعدني ذلك حقًا.
أما بالنسبة لأسرتي فهم داعمين للغاية، لأنهم يعرفون مدى تعبي، وبعدما وجدوا نتائج ملموسة وجيدة زاد تشجيعهم ووعيهم بما أفعل.
ما الأمور التي تغيرت في عملك/ حياتك المهنية، قبل وبعد الأمومة؟
بعد الأمومة أصبح هناك الكثير من المسؤوليات، أهمها أن أبني هو أول أولوياتي في الحياة، فيجب أن أُدرك أين سيكون أثناء عملي أو اجتماعاتي وغيرها من التفاصيل المرتبطة به. قبل ذلك كنت حرة نفسي. بالرغم من زواجي، لكن فعلًا الأمومة شيء آخر.