اضطرت درجة الحرارة غير المستقرة في الجناح الغربي بالبيت الأبيض، والمترددة بين “ساخنة للغاية أو باردة جدا”، الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى الهروب إلى منتجعه الخاص بولاية نيوجيرسي خلال يوليو الماضي لمباشرة مهام منصبه من هناك حتى تنتهي أعمال صيانة نظام التكييف في المكتب البيضاوي، واتخذها ترمب فرصة مواتية لتجديد مهاجمة سلفه الديمقراطي باراك أوباما، وانتقاد “إرثه السيىء”، حتى على مستوى التكييف.
لكن سامح الحسيني – يعمل في مجال المراجعة المالية- يشتكي مرّ الشكوى من غياب هذه الأجواء الديمقراطية حول نظام التكييف في مكان عمله وإمكانية الانتقال إلى غرفة أخرى، ويعاني، حسب قوله، من “ديكتاتورية الأغلبية” فيما يتعلق بضبط درجة حرارة الغرفة التي يشاركه فيها ستة زملاء آخرين، تختلف “طباعهم الحرارية” والتي تميل إلى أجواء باردة يبّست رقبته و”نشّفت عضمه”، بل وأحيانا تخرجه عن هدوئه وتحيله إلى “شخص عصبيّ بغيض لا يطاق”. غير أن زميلا له في نفس المكان يتهمه بممارسة “سلطة فردية” باحتكاره الريموت كنترول دوما، بل والتفنن في إخفائه بكل الحيل الممكنة.
ترى مروة محمد – 28 عاما، تعمل في مجال الدعاية والتسويق- التوافق على درجة حرارة تكييف مُرضية للجميع ضربا من الخيال، فالأمر صار معضلة حقيقية في أماكن العمل المشتركة المفتوحة، وخاصة التي تعتمد نظام تكييف مركزي. وباعتبارها “أيقونة الثلج والصقيع”، و”زعيمة حزب محبي التكييف دون 20 درجة”، كما يشاع عنها في العمل، ترفض مبدأ التفاوض من الأساس، والذي سيجلب صداعا يوميا، وتنحاز تماما لمبدأ فرض درجة الحرارة التي تراها الإدارة مناسبة، وعلى المتضرر البحث عن حلوله الخاصة.
مروة تلفت إلى أنها استشارت طبيبا بالفعل، بعد أن أعياها الحرّ والصيف، لاستجلاء سبب تأففها المزمن من أقل ارتفاع في درجة الحرارة، وانتهى الطبيب من تشخيصه إلى أنها من “الأجسام الحرارية”، وعليها أن تتعايش و”تتكيّف” مع وضعها، وتستدرك ضاحكة “طبعا، طبعا، طبعا، الأمر مختلف في بيت الزوجية، فقد رفعتُ شعار التكييف قبل النيش”.
عندما حصل المهندس الأمريكي ويليس كارير، الأبّ الروحي لمكيّفات العالم، على براءة اختراع مكيّف الهواء، كان يهدف في الأساس إلى تحسين إنتاجية العمالة وتنمية بيئات العمل خاصة في مناطق المناخات الحارّة والرطبة، وهو ما تسعى إليه باستماتة إدارات الأعمال المحترفة حول العالم، لكن أمام حقيقة أن البشر مختلفون ومن الصعب إجماعهم على أمر ما، فهل من سبيل إلى فضّ الاشتباك بين المتفاوتين في الشعور بدرجات حرارة مكيّفات تتراوح بين 20 إلى 26 درجة مئوية.
الانفتاح على إيجاد حل
بداية، ضع نفسك مكان المتضرر، والتمس له العذر، فالأمر ليس مجرد ساعة ستنقضي بأي حال، بل دوام عمل يمتدّ إلى ثماني ساعات وربما أكثر، ومن مصلحة الجميع أن يحظى الجميع بالارتياح والرضا. وطالما اقتنعت بضرورة إيجاد حل يتوافق عليه شركاؤك في مساحة عملك فأنت الآن قد التقطت الريموت كنترول لتتخذ قرارا ما.
لعبة الكراسي “المتنقلة”
ربما تكون قد حظيت بموقع استراتيجي في مساحة العمل، بعيدا أو قريبا من تيار الهواء، فأنت تنعم بأجواء مكيّفة مرضية لك ولا يطالك ضرر، بينما آخرون يتجمّدون أو يتعرّقون، اختبر مواقعهم بنفسك، فإذا لم تقتنع بوجاهة منطقهم، فهنيئا لك المكان الجديد الذي يلبي طموحك في درجة حرارة مساحة العمل المشتركة.
وللعلم بإمكانك نقل جميع المواد المحفوظة على جهازك الشخصي إلى جهاز جديد، وإن كنت مرتبطا به إلى هذه الدرجة أو جهازك مختلف عن الآخرين بحسب مهام عملك، فبإمكان المسؤول التقني أن ينقله بسهولة في أقل من خمس دقائق، فمساحة العمل ليست ملكية خاصة، بل ملكية لمؤسسة ينضوي الجميع تحتها، ويهمها في الأساس توفير أجواء عمل مثالية للجميع.
المرونة من حين لآخر
مساحات العمل المفتوحة على اختلافها يصعب التحكم في درجة حرارتها، فهناك من يخرج ليأكل أو ليعدّ مشروبا أو ليدخن أو ليجري مكالمة شخصية أو يذهب إلى الحمام أو ليغيّر المناظر ليجدّد نشاطه ويستعيد تركيزه، فضلا عن مهام العمل الروتينية المعتادة التي تتطلب التنقل بين المكاتب، مما يؤثر على درجة حرارة الغرفة ومستوى تهويتها وتكييفها. وبالطبع هناك من جاء للتوّ من الخارج يتصبّب عرقا ويخشى التعرض لنزلة برد لدى دخوله إلى التكييف بسبب فرق درجة الحرارة.
أنتم المعنيون بالأمر، درجة أو درجتان أو ثلاثة، صعودا أو هبوطا، من حين لآخر، ستؤدي الغرض. بل لا مانع من إطفاء التكييف، أو أحدهما، وإعادة تشغيله بعد فترة. وللعلم يُنصح بذلك للحفاظ على العمر الافتراضي للمكيّف.
ولا ننسى أننا قد لا نحتاج إلى تشغيل التكييف من الأصل إذا كانت درجة حرارة الجو مناسبة في حدود 25 درجة مئوية، خاصة مع دخول فصلي الربيع والخريف، فكما أن للتكييف فوائد جمّة فله أيضا أضرار، أبرزها الإخلال بدرجة رطوبة العينين، ولذلك ينصح بتهوية الأماكن المكيّفة من حين لآخر.
إعدادات الريموت كنترول
يغفل الكثيرون باقة منوعة من إعدادات أجهزة التكييف والتي قد تقدم حلولا ناجعة تقطع الطريق على الخلافات المعهودة بشأن درجة حرارة الغرفة. نعم الآلة قد تنقذ الموقف وتصبح “الحكم والوسيط العادل”، إذ تقرّر بنفسها الوضع الأمثل للتشغيل. فالوضع التلقائي “auto mode”، على سبيل المثال، يضبط المكيف تلقائيا، صعودا وهبوطا، إبطاء وتسريعا، بحسب حاجة الغرفة، وهناك زرّ المروحة “FAN”، والذي يضخ الهواء ويوزّعه في الأرجاء. راجع دليل التشغيل وستجد ضالتك بالتأكيد.
اخدم نفسك بنفسك
قد تكون من هؤلاء الذين يميلون إلى المهادنة أو الذين يتحاشون بكل الطرق تعكير مزاجهم في العمل -والأسباب كثيرة لا ينقصها أمر التكييف هو الآخر، أو من المبادرين دوما لتطويع الواقع وتحييده، أو من الانطوائيين غير الاجتماعيين… ثمة حل بسيط ومجرّب، سترة خفيفة أو “إيسكارف” أو ما تراه مناسبا، ستجعلك مستعدا لتقلبات الغرفة وفصولها المفاجئة، فأنت الآن تملك قرارك الشخصي لحين توافق شركائك على أمر ما، فمهام العمل لا تنتظر، و”التارجت” و”الـديدلاين” بالمرصاد.
أقرأ ايضا: 7 أنشطة مفيدة لاستغلال الوقت في المواصلات