مُنذ وقت ليس ببعيد حدثتني إحدى صديقاتي أنها في سبيلها للطلاق، وهي لم تتم سنتها الأولى كمتزوجة، وعندما سألتها عن السبب كانت الأسباب كثيرة، وقالت إنها كانت متكفلة بمصاريف البيت أغلب الوقت، وأن زوجها كان يطلب منها أن تعطي لأهله أموالًا سيردها لها لاحقًا.
لا يُوجد لدينا تصنيفات ومقالات متخصصة بالقدر الكافي عن العنف الاقتصادي، وعن تأثيره على المرأة، في حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة قررنا أن نلتقي الباحثة الاقتصادية ريم سليم المتخصصة في الاقتصاد الكلي والاقتصاد السياسي واقتصاديات التنمية، لنعرف عن العنف الاقتصادي باعتباره أحد أشكال العنف ضد المرأة، وكيفية مناهضته.
مرحبًا ريم، بدايًة ما هو العنف الاقتصادي؟
العنف الاقتصادي هو حرمان الشخص من الوصول إلى الموارد الاقتصادية بشكل عام، مثل الأجور النقدية وغيرها من أشكال الثروة أو الموارد، وهذا يمكن أن يتعرض له الجميع سواء كانوا رجالًا أو نساءً.
هذا المفهوم عن العنف الاقتصادي هو على النقيض تمامًا من مفهوم التنمية الشاملة، أو التنمية الاقتصادية التي تطورت عبر السنين واتسع إطارها ليشمل أبعاد اقتصادية وبيئية ثقافية واجتماعية.
ما هي أشكال العنف الاقتصادي التي تواجه النساء بشكل عام، والعاملات في القطاع الغير منظم خاصة؟
أشكال العنف الاقتصادي التي تتعرض لها النساء كثيرة، في البداية لا يحصلن على حقوقهن في التعليم، وتتسرب منه في مراحل مبكرة، مما يقلل من فرص عمل الفتيات مستقبلًا، وبذلك يعد أول أشكال العنف الاقتصادي الذي تتعرض له النساء في عالمنا العربي.
الشكل الثاني هو الحرمان من العمل، وقد يأتي لأسباب كثيرة، إما بسبب الأسرة أو الزوج الذي يرفض أن تعمل المرأة، وقد يأتي الحرمان من المجتمع الذي يرى أن عمل الفتاة غير مقبول، وقد يأتي أيضًا من مؤسسات العمل التي ترفض توظيف امرأة.
شكل آخر من أشكال العنف الاقتصادي، بعض المصانع أو المؤسسات تسعى لتوظيف النساء لأنهم يقبلن برواتب هزيلة مقارنة بالرجال.
ما هي تبعات العنف الاقتصادي؟
ينتج عنه نزع الاستقلالية عن الشخص المُعَنف، فمن ليس لديه القدرة على الحصول على موارد اقتصادية تمكنه من العيش بكرامة وآدميه هو منزوع الاستقلالية في صنع قراراته.
هذا النوع من العنف شائع بكثرة وموروث اجتماعيًا في المجتمعات العربية للمرأة، لأن هذه المجتمعات ترى أن المرأة مكانها البيت والمطبخ وحسب.
وعلى سبيل المثال، نُلاحظ العديد من النساء تدخل سوق العمل وهن غير مؤهلات لأن أزواجهن هجرهن أو منعن عنهن الدخل، وتضطر المرأة لقبول أي نوع من الأعمال لأنها لا تمتلك المهارات اللازمة.
بماذا تنصحين النساء اللاتي يواجهن العنف الاقتصادي؟
من المهم التعلم ومعرفة النصائح القانونية التي ينص عليها العمل في منشآت الأعمال، قبل توقيع عقود العمل.
ومن الضروري إنشاء إطار تنظيمي للعاملات “رابطة أو اتحاد عمال” للعامين في المصنع، ربما تكون أيضًا نقابة أو اتحاد عمالي.
يجب تنمية مهارات التفاوض لدى العاملة هي وزميلاتها، والنقاش في المشكلات وكيفية حلها والتفاوض في كل شيء، ومن الضروري معرفة الأماكن التي يجب أن يلجأوا لها من منظمات حقوقية أو قضاء أو صحافة في حال حدوث أي مشكلة.
من المهم أيضًا أن تضع النساء في البنود شروط خاصة، مثل أن هناك أماكن لا يمكنهن الذهاب إليها بدون حماية أو مواصلات أو لا تقدر على الذهاب إليها أصلًا، لأنها ربما تتعرض للخطر، وتحديد ساعات معينة للعمل في إطارها، وأي طلبات أخرى مثل شرط وجود حضانة قريبة أو داخل مؤسسة العمل لطفلها.
كذلك يجب أخذ ضمان العودة إلى العمل بعد الرجوع من إجازة الوضع، والتأكد من أن مكان العمل لن يستغنى عنها.
ويجب أيضًا أن تسعى لتقوية مهاراتها في سوق العمل من (دورات تدريبية، شهادات، تطلب من الإدارة أن تعد ورش تدريبية لهم، أو ترسلهم في أماكن أخرى لتبادل الخبرات) هذا جزء مهم لتقوية حقوقها في مكان العمل، وبالتالي لا يستطيع أن ينتقص منه أحد.
هل يختلف العنف الاقتصادي أو شكله حسب الطبقة أو الثقافة؟
أعتقد أنه قد يختلف ذلك ولكن بنسبه محدودة فقد يكون هناك أستاذ جامعي يرفض أن تعمل زوجته، وقد يكون هناك رجل أتى من بيئة تعمل فيها أمه وأخته ويكون ذو تعليم عالي ويختار موظفات وزميلات في عمله ولكن يرفض أن تكون زوجته امرأة عاملة، وهذا قد يرجع لأسباب كثيرة قد تكون غيرة أو تحكم أو خوف، ربما تسلط أو نرجسية أيضًا.
ولهذا لا يمكننا الجزم بشكل عام أن هناك فئة معينة من الرجال يمكن أن يكون لها أفكار معينة تجاه عمل المرأة هذا مرتبط بالرجل نفسه وأفكاره تجاه المرأة بغض النظر عن طبقته الاجتماعية. وفي نفس الوقت هناك رجال من طبقات فقيرة وترغب في أن تعمل زوجاتهم و ويقاسمها في الدخل، مثل حارس العقار الذي يرشح زوجته لشخص ما لتنظيف البيوت مثلًا.
برأيك ما هي القوانين التي على الدولة إقرارها لمواجهة العنف الاقتصادي؟
يجب أن يكون هناك نص قانوني واضح يُجرم تسرب الإناث من التعليم، كما يجب أن تكفل الدولة للجميع الحق في التعليم حتى التعليم الثانوي.
بجانب ذلك، من المهم أن تكون هناك دورات تدريبية تقدمها مكاتب وزارة العمل، أو الوزارات المعنية مثل وزارة الزراعة أو وزارة الصناعة، تُكسب الإناث أو الذكور، مهارات الدخول لسوق العمل ومهارات التفاوض في سوق العمل، وتعريفهم بحقوقهم كعاملين وعاملات بصفة عامة.
من الضروري أن يكون هناك تعريف بمفاهيم اللامساواة داخل مؤسسة العمل على أساس نوعي واللا مساواة في بيئة العمل الآمنة والأجور ومن المهم توضيح مفهوم التحرش وأشكاله والعقوبة ضده.
ولا بد كذلك أن تكون هناك رقابة على تطبيق القانون؛ إذ أن الكثيرين لا يعرفون ما الذي يجب عليهم فعله إن حدث انتهاك من صاحب العمل، وهل سيستجيب مكتب العمل فعليًا إن قدموا شكوى وسيوفر لهم الحماية، ولن يتضرروا في حقوقهم المادية والمهنية أم لا!