بدا الأمر لغير المطلعين على تفاصيل “الحالة”، كأنه محاولة متعسفة لاختلاق أسباب لـ”طرد” أحد الموظفين وتقديم “كبش فداء” قربانا للانضباط والسويّة النفسيّة في بيئة العمل، إلا أنه بالنسبة إلى “وائل رجب”، الكيميائي في إحدى شركات الأدوية، كان نقطة تحول في مسيرته المهنية، فأن “يُطرد” أقرب زملائه إليه بداعي بثه “طاقة سلبية سامّة” في أجواء العمل، فالموقف شائك حقّاً ويستحق مراجعة شاملة ووقفة “إيجابية”.
يعترف “وائل” بوجاهة حيثيات طرد زميله “كتلة النكد والسلبية التي تسير على قدمين”، ويعدّد الأعراض التي حسمت قرار التخلص منه، فزميله مثبّط للهمم لا يبادر ولا يتعاون دائم التأخر وتأخير المهام الموكلة إليه، ملول، مستاء متذمر متجهم طول الوقت، ماكينة أعذار جهنمية، وقد قرّر “وائل” أن يكون على النقيض من ذلك، ويُسأل دائما عن كيفية احتفاظه بحماسه الدائم ولياقته المهنية، لدرجة الإدمان على العمل، والأهم ابتسامته المنشرحة طوال الوقت.
مفارقة تعجيزيّة
لم تتوقف الوقفات “الإيجابية” الفارقة في حياة “وائل” المهنية عند “حالة طرد الزميل النكديّ”، فكما يقول “الخبرة بضعة أخطاء قاتلة نحاول باستماتة تفاديها في أوقات لاحقة”، وقد انزلق خلال مقابلة عمل إلى خطأ فادح، فلدى سؤاله عن “صفة غير محببة فيه يحاول التغلب عليها”، أجاب “وائل” بكل ثقة وسذاجة: “أنا مع الأسف إنسان ماديّ”، انتهت المقابلة ولم ينتهِ الدرس حتى اللحظة.
يقول “وائل”، إنها حقا مفارقة غريبة، فطوال مسيرتي المهنية الممتدة لأكثر من 17 عاما لم أحصل مرّة على حافز أو مكافأة، رغم أنني “الإنسان الماديّ إياه”، واستوعبت الأمر شيئا فشيئا، فالحماس والانتماء للعمل شيء والحوافز شيء آخر، وقد قررت فضّ الاشتباك بينهما، فنظام المكافآت يبدو أنه محكوم بالقرب أو البعد من دائرة رضا الإدارة، وهذا آخر همّي، وببساطة “يعني أيه مكافأة أصلا؟ مجرد أكلة كباب وكفتة”.
وقفات “وائل” الإيجابية مع نفسه ومهنته تحفّز على النبش في ذاكراتنا واستدعاء مواقفنا الفارقة، والاجتهاد لتطوير آلياتنا الخاصة للحفاظ على طاقة الحماس والانتماء للعمل.
لا تستسلم سريعا للاختطاف
الحماس “عصفور ضعيف الجناح”، من السهل أن تغدر به تقلبات يومك العاديّ، وما أكثر المترصدين لطاقة الحماس للعمل، حتى قبل أن تصل إلى مقرّ العمل نفسه، فزحمة المرور الصباحية الخانقة، بكل ما فيها من أهوال، كفيلة بكل تأكيد بخنق هذا “العصفور” في قفصه حتى قبل أن يحاول التحليق واستعراض آخر إبداعاته ومبادراته وخططه للتطوير وزيادة الإنتاجية وإدارة الوقت ومحاربة التفنن في التهرب من العمل، ناهيك عن بيئة العمل المزدحمة بـ”الغربان” المتحفزة.
الحماس قيمة نادرة بالفعل، يقاتل “اللاحماسيون” لاختطافها وامتصاصها، لتصبح منطفئا عاديا تقليديا مثلهم، مجرد موظف. فلتكن واعيا بصيادي الحماس خلال يومك وحيلهم الماهرة، وانجُ بحماسك بالتغريد مع حماسييّن آخرين لتفرضوا نغمة الحماس المعدية على الجميع، ولتصدحوا معا بحماس في وجه المترصدين خلف مهام العمل المفخخة دوما بشَرَك هنا أو هناك: “يا صيّاد الحماس حافظ على الخرطوش”!
اعطِ الأمور حقها في التوّ
الحماس يكره ازدحام العقل بالمعارك الجانبية “التافهة” أو “الخطيرة”، الحماس لا يُزاحم، صفّي المواقف في التوّ واللحظة ولا تخزّن الطاقة السلبية، انفعل إن استدعى الأمر الانفعال، اغضب إن كان ذلك مناسبا، صعّد المواقف إن تطلب الأمر، هاجم إن أعياك الدفاع، اعطِ حزنك حقه إن كنت حزينا، ترفّع بحماسك عن الغوص في مستنقع التسويف والتأجيل وتجميد المشاعر وتعليق العواطف إلى حين.
للراحة حقوق أيضا
بطارية الحماس تنفد سريعا وتحتاج إلى الشحن باستمرار، لا تبخل على حماسك بممارسة هواياتك المحببة، بملاقاة أصدقائك بعد العمل، بمشاهدة فيلم في السينما، أو مباراة لفريقك المفضل، بحضور حفل غنائي، بالمشي منفردا دون تخطيط لمسافة ليست قصيرة ومناجاة حماسك وتشجيعه وشحنه، بتناول الطعام الصحي، بالنوم الهادئ المريح، بالتخطيط للسفر في نهاية الأسبوع، أو حتى الاستمتاع بالتزام البيت ورعاية حماسك بفخر، فالحماس “كائن خيّر”، على قدر ما تحافظ عليه وتحرص على طزاجته وتجدده وتدفقه، سيدهشك بعطاياه.
الحماس لا يُكافأ
الحماس مكتفٍ بنفسه، لا ينتظر الإشادات، ولا المكافآت، يدرك غناه وتميزه، ومع ذلك واثق في نفسه ومدرك قدرته وإرادته على اجتراح المعجزات. الحماس يبني سمعة كل يوم ستضعه يوما ما في مكانه الصحيح، الحماس يعمل بجدّ وحبّ ويتقافز ربما ليجتذب مريدين جددا ليشكلوا جبهة “حماسيّة” تتبنى كسر الروتين والاعتياد و”اللي نبات فيه نصبح فيه”، تتطلع إلى الغدّ، الذي حتما سيكون “يوما آخر”، وكل آتٍ قريب.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
الحماس إن كان يكره التفاهات، فإنه مغرم بالمنافسة، لأن المنافس “حماسيّ” آخر، الحماس ينتقي منافسيه ويتشارك معهم أفكارهم، يبادر ويساعد، يتبنى فكرة زميل منافس ويدافع عنها وربما يقدّم لها عرضا مبهرا أفضل بمراحل من صاحبها، سيلفت نظر منافسه إلى نقطة غابت عنه، سيطوّر له فكرة أوليّة لتصبح خطة كاملة، سيشيد ويمدح، ويعطي الحق لأهله. وربما يصاب الحماس بالغيرة المحمودة، فالحماس تنافسيّ إلى أقصى درجة.
وصفة للتحضير
الحماس كائن مرن طيّع لا يعمل ضمن خطّة أو تحكمه وصفة محددة مسبقة التجهيز، الحماس جاهز وحاضر دوما بخطته اللحظية التي تسعفك باستمرار في كل المواقف، الحماس أسلوب حياة بالفعل.