article comment count is: 0

حُكم الجمع بين وظيفتين مع “كورونا”

تحرص ابنتي “حلا”، ذات الأعوام العشرة، على تعريف نفسها بأنها “زهقانه محمد الهواري”، في إشارة منها إلى حالة الملل التي ترافقها دومًا، وهو ما يتطلب مني جهدًا كبيرًا، للتخفيف عنها معظم الوقت، لكنني أيضًا أسكن مع والدتي في بيت العائلة، أعمل في وظيفة بدوام كامل “full time”، كما أراسل بعض المنصات الصحفية، بنظام “freelancing”، ومع المخاوف من انتشار فيروس “كورونا”، أصبحت الآن أعمل من المنزل، الذي يجمعني مع والدتي، وابنتي “الزهقانه”، قبل أن أتوجه إلى عملي مساء كل يوم، مساري هذه الأيام غاية في التعقيد، أحاول شرحه إليك في السطور التالية.

يوم عادي جدًا..إلى أن!!

كنت أتابع مثلك أخبار “كورونا”، وتحوله إلى وباءٍ عالمي، وانتشاره في الصين وإيران، واستعدادات مصر للمواجهة الوشيكة، وأنا أحتسي مشروبي، أمام شاشة “اللابتوب”، أنجز مهامي، إلى أن بدأت الأمور تتصاعد، هناك إجراءات احترازية على مستوى البلاد، كما تم تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات، هنا تذكرت ابنتي “الزهقانه”، والتي سأكون معها تلك الفترة، لن نخرج فيه كما اعتدنا، وستنقطع سبل الترفيه المعتادة لها، ماذا عن المهام التي علي إنجازها خلال تلك الفترة؟ انتظر لحظة، ماذا عن عملي مساءً في وجود “حلا” في المنزل؟

مرحلة الإنكار!!

على الفور بدأت “ميكانزماتي” النفسية تعمل بقوة، فترة وستمر سريعًا، لا تقلق، كل شئ سيكون تحت السيطرة، ليست المرة الأولى، لا يقاطعني سوى تليفون من صديق، يحاول الاطمئنان علي، ويذكرني بأني مسؤول “الشيفت المسائي”، في صحيفة يومية، ويطمئن على الإجراءات الاحترازية من حولي، وعما إذا كنت سأعمل من المنزل أم لا؟ حينها فقط بدأت الأفكار تقفز على ذهني.

الصدمة!!

لم يعد الإنكار يجدي نفعًا، يجب أن أتصرف، هناك التزامات مهنية، كما أن هناك التزامات عائلية، وهناك وباء عالمي، وطبيعة اليوم تتغير، بدأت أضع الأمور كلها بوضوح أمامي، لدي أم في عِقدها السابع، لها متطلباتها، وابنه في العاشرة، سريعة الملل، ولدي التزامات مهنية، في الفترة من العاشرة صباحًا، وحتى الرابعة مساءً، والتزام بالعمل في مؤسسة صحفية، من الخامسة مساءً وحتى الثانية عشر صباحًا، وربما بعد ذلك بقليل، ولدي التزام تجاه سلامي النفسي والجسدي والذهني، وكان الحل.

الأجندة السوداء

كنت مررت بأزمات عديدة، عندما قررت حذف فترة زمنية، ليست بالقصيرة، من ذاكرتي، الأمر الذي تطور إلى حذف تفاصيل الأيام، بصفة يومية، وأصبحت علاقتي بالعالم “أجندة سوداء”، أسجل فيها بصفة أسبوعية، المهام التي يفترض القيام بها، نعم هناك مقابلة عمل مهمة، الأربعاء، العاشرة صباحًا، في التجمع الخامس، وتدريب “أونلاين” أو “ويبينار” عن معايير تغطية “كورونا”، الثانية والنصف ظهرًا، ولا تنسى تلميع أحذيتك، وجلب الملابس من المغسلة، والانتهاء من مقال منصة كذا، لأن الأربعاء موعد التسليم “ديدلاين”، كل ذلك جيد، لكن أين باقي المشهد؟

مناورة الزمن بدلًا من التحكم فيه

الوقت، الأمر كله يتعلق بالوقت، منذ وقت ليس ببعيد كنت بطل قصة حياتي، أسيطر على تفاصيلها، بفضل الله، وأجندتي السوداء، لكن اليوم الوضع مختلف، أمي تريد طلبات منزلية، ابنتي تريد اهتمامًا وأنشطة تشغلها، “الديدلاين” لا يرحم، أحتاج التركيز، أخبار “كورونا” مزعجة، لا نتواصل مع من نحبهم، لا نعرف إلى متى سيطول الأمر، حان الوقت لتعديلات في دستور حياتي إذن، المادة الأولى إذا لم تستطع التحكم في الوقت، افتح المجال للمناورة، تفاوض مع مسؤولي النشر في المنصات، قم بترحيل “الديدلاين” 24 ساعة، أو بضع ساعات، سجل كل شئ في الأجندة، “الديدلاين”، البقالة، الكارتون، والمغسلة.

القليل من الوضوح لا يضر

المادة الثانية، لا مانع من بعض المرونة، ليس عليك أن تستمر في غموضك المعتاد، الذي تحيط نفسك به، فلا يعرف أحد ما الذي تفعله بالضبط، استغرق الأمر دقائق، ربما طويلة، لأشرح لوالدتي وابنتي والمحيطين بي، طبيعة ما أقوم به، وما يتطلبه، وضعنا قواعدنا الجماعية، حيث لا ضرر ولا ضرار، لا أنكر أنني محظوظًا، المحيطين بي متفهمون الآن، ولا زيارات عائلية، مما يتيح مزيد من الوقت لإنجاز المهام، مرة أخرى أذكرك “المهام” هنا تعني، “الديدلاين”، البقالة، الكارتون، والمغسلة، كلها لا تقل أهمية عن بعضها البعض، وهو ما يقودك للإنجاز.

بطلان نظرية “سوبر دادي”

لن تستطيع التحكم في كل الأمور، أنت لست “سوبر مان” أو “سوبر دادي”، لكن لا تجلد ذاتك، ستجد قمة الإنجاز في علامة “الصح”، التي تضعها أمام “المهام”، التي أنجزتها في أجندتك السمراء، نعم لمعت الأحذية، نعم لعبت مع حلا لعبتها المفضلة على “الموبايل”، وشحنت “التابلت” لتتابع الكارتون على “يوتيوب”، نعم جلبت طلبات والدتي، انتهيت من كتابة مقال “مسارات” الذي تقرأه الآن، في الموعد المحدد، بدأت ملامح خطة التطوير المطلوبة لأحد المواقع الإلكترونية تتضح، لدي وقت لحلاقة ذقني قبل الانطلاق إلى عملي الأساسي.

دقيقة تغير حياتك

في تفاصيل يومك تشعر بأنك تعمل بمطعم، يرفع صاحبه شعار “الزبون دائمًا على حق”، لديك زبون كبير في السن “والدك ووالدتك”، حاد المزاج، وزبون مراهق “اخوتك أو أبناءك”، متقلبي المزاج، سريعو الغضب، وزبون آخر يريد إنجاز عمله، وفي وقت محدد “رئيسك أو مديرك”، الأمر يتطلب تواصل دائم مع كافة الأطراف، لتوضح أين أنت من “طلباتهم”، دقيقة عبر وسيلة تواصل اجتماعي، أو بالتليفون، للاطمئنان على “زبائنك”، حتى لا تتعرض لهجمات مباغتة منهم تخرجك عن تركيزك. وضح لهم قيمة الوقت، وأن كل ثانية سيتحدثون معك فيها، ستؤدي إلى مزيد من الوقت، الذي بدروه سيمنعك عن أداء ما يريدونه منك.

الخلاصة

الخلاصة، سجل كل المهام المطلوبة منك، و”الديدلاين” الخاص بكل مهمة، والوقت المطلوب منك لتنفيذها، ثم سجل كل مهمة بالوقت المطلوب منك لتنفيذها، إذا وجدت تعارضًا بينها، تواصل مع الأطراف المعنية، للوصل إلى حل، لا تثقل كاهلك بمهام كثيرة، حافظ على وقت لكل شئ، وقت للنوم لا يقل على 8 ساعات، وقت للعب مع ابنك أو ابنتك، وقت للتواصل مع أطراف لإنجاز مهمة عمل، وقت لكتابة تقرير خاص بعملك، وقت مخصص لتلبية احتياجات والدتك، كن واضحًا مع الجميع، ليعرفوا ماذا تعمل؟ ولماذا؟ وما احتياجاتك لأداء عملك، متر في متر على مائدة، في غرفة لها باب تستطيع إغلاقه، اطلب من المحيطين بك عدم استخدام شبكة الإنترنت الخاصة بالمنزل، في توقيت محدد تحتاج فيه جودة اتصال بالإنترنت، وهدوء من الجميع، لأن لديك اجتماع “أون لاين”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً