article comment count is: 0

“ابن المؤسسة”.. قراءة في “مزرعة الحيوان”

كتب الروائي البريطاني، جورج أورويل، روايته الشهيرة، “مزرعة الحيوان” Animal Farm، بين عامي 1943 و1944، وفيها تسعى الحيوانات تحت إدارة “الخنازير”، لطرد البشر من مزرعتهم “مؤسستهم”، وإعلان فلسفة “الحيوانية”، حيث كل الحيوانات متساوية، ويظهر الحصان “بوكسر” مثالًا عظيمًا للعمل والتفاني “ابن المؤسسة”، ونتعلم بين سطور الرواية مسارنا للعمل بالمؤسسات، وقواعد هذا المسار.

الحصان “بوكسر”

أكتب إليك اليوم بعد قراءة “مزرعة الحيوان”، ترجمة محمود عبدالغني، الطبعة الثانية 2014، الصادرة عن المركز الثقافي العربي (الدار البيضاء – المغرب)، ويرسم لك “أورويل” ملامح الحصان “بوكسر”، حيوان ضخم يتمتع بقوة حصانين، لم يكن متفوقًا. ومع ذلك، فجميع الحيوانات تكن له الاحترام، لأنه يمكن الاعتماد عليه في تحمل الأشغال الشاقة.

كثيرون هم أمثال صديقنا الحصان هذا، داخل مؤسساتنا، شخص لديه القدرات، الجسدية، والإبداعية، متفوق، أو ربما تقليدي، لكنه بروح مقاتل، لا يرفض عملًا يُطلب منه، مستعدٌ دائمًا لقبول مزيد من المهام، بل ولديه القابلية للاعتراف بالخطأ، أي خطأ، حتى أخطاء الغير، بل ووضع الحلول، واقتراح السيناريوهات لمواجهة شتى أنواع المشكلات.

نقترب أكثر من ملامح “بوكسر”، كما يصفها “أورويل”، منذ الصباح وحتى حلول الليل، يدفع، ويجر، وهو دائم الحضور في أقسى لحظات العمل. وأمام كل مشكلة وكل سوء، كان يضع حكمته: “سأعمل بجهد أكبر..سأعمل بكد”، كان يعمل وحيدًا في بعض الليالي ساعة أو ساعتين، ويذهب قبل العمل بنصف ساعة أو أكثر.

“ابن المؤسسة” مثل “بوكسر”، يؤمن بأن الإدارة دائمًا على حق، وطوال أحداث الرواية كان يشيد بمدير المزرعة: “نابوليون لا يخطئ”، ويستمر “أورويل” في وصفه: “يعتبر من الكرامة عدم إظهار الألم، هو يريد إتمام بناء الطاحونة، قبل بلوغ سنة التقاعد”. في مؤسساتنا، ستجد “ابن المؤسسة”، يقدم نفسه فداءً للمؤسسة “سأعمل أكثر”.

الوصايا السبع

قبل وفاته، يوضح الخنزير العجوز “ميجر”، معاناة الحيوانات: “إننا نعيش حياة الكد، حياة البؤس، حياة قصيرة جدًا. ما أن نأتي إلى العالم، يطعموننا ما نسد به رمقنا فقط، ومن يملك بيننا القوة المبتغاة يضطر إلى العمل إلى أن يسلم الروح. وفي اللحظة التي نصبح فيها غير نافعين، يذبحوننا بوحشية مفرطة”.

تحدث “ميجر” عن حلمه، في التخلص من صاحب المزرعة البشري”جونز”، وعن سيادة الحيوان، ومبادئ فلسفته “الحيوانية”، والتي لخصتها الحيوانات في سبع وصايا: “كل من يسير على قدمين هو عدو، كل من يسير على أربعة أقدام وكل طائر هو صديق، يمنع على الحيوان ارتداء الملابس، يمنع على الحيوان النوم فوق السرير”.

وتستكمل الحيوانات وصاياها: “يمنع على الحيوان شرب الخمر، يمنع على الحيوان قتل حيوان آخر، كل الحيوانات متساوية”. يالها من مبادئ أخلاقية عامة، ومعايير للأداء المهني، ودستور، وفلسفة عمل. لا توجد مؤسسة لا تحدثك عن المعايير، وتقييم الأداء، لكن كثير منها لا يلتزم بها، أو يتم تحريفها مع الوقت لتفقد معناها.

ربما ذلك ما جرى في “مزرعة الحيوان”، مع مرور الوقت، ويلعب تغير الإدارة دورًا كبيرًا، في الابتعاد أو الاقتراب من تلك المعايير، كما أن تناغم الإدارة، وفريق العمل، يؤثر سلبًا أو إيجابًا على الالتزام بها، وتظل آفة الصراع، والبحث عن الصلاحيات، الأزمة الأكبر، التي تعرقل مسار المؤسسة، ويستمر عطاء “بوكسر”.

النبوءة

لم ينس الحكيم العجوز “ميجر”، أن يختص “بوكسر” بنبوءة: “أنت يا “بوكسر”، يوم تفقد عضلاتك الشهيرة قوتها ووظيفتها، سيبيعك “جونز” للقصاب (الجزار)، والقصاب سيقطع حنجرتك. سيطبخ بقاياك على نار هادئة، وسيطعمها لرهط كلابه”. قبل أن يصل “بوكسر” سن المعاش، ويحقق حلم بناء “الطاحونة”، سقط “بوكسر”، وتعهدت الإدارة بعلاج “ابن المؤسسة”.

كثير ما نتعرض لما يسمى “متلازمة الاحتراق الوظيفي“، لا تريد أن تسقط، أن تأخذ الأمر على نحو متطرف، المسألة ببساطة تتطلب إجابة بعض الأسئلة، كيف تتحول ثقة المؤسسة فيك إلى حالة أمان وظيفي؟ كيف تتم ترجمة مسؤولياتك إلى صلاحيات واضحة؟ هل لديك قرارات إدارية معتمدة من أعلى سلم الإدارة بالمؤسسة؟

لنطرح أسئلة أخرى: هل لديك توصيف وظيفي واضح بواجباتك؟ هل لديك وعي بما لك ضمن لوائح المؤسسة وقانون العمل؟ هل لديك القدرة البدنية والنفسية والعصبية لأداء ما يطلب منك؟ هل هناك آخرين يفترض بهم القيام بما هو مطلوب منك؟ ولماذا لا يقومون به ويطلبونه منك؟ هل لديك تأمين طبي حتى؟

الإجابة عن تلك الأسئلة تجعل منك “ابن المؤسسة” حقًا، ما دون ذلك أن تخطئ في حق نفسك، اسأل مديرك المباشر، وإدارة الموارد البشرية، حتى المستشار القانوني. اسأل المدير العام، والعضو المنتدب، ورئيس مجلس الإدارة. احصل على الإجابات، وإن لم تعثر عليها ابحث عن وظيفة لائقة في مكان آخر، وبأسرع وقت.

تصل عربة يجرها حصانين، لاصطحاب “بوكسر” إلى المستشفى، لكن أحد الحيوانات يقرأ المكتوب على جانبيها: “ألفريد سيمونز، ذابح الدواب، وصانع المواد الدبقة، ويلينجدون، تاجر جلود وأسمدة الحيوانات، مستلزمات الكلاب”، تحققت نبوءة “ميجر، وبنهاية الرواية، تنظر الحيوانات للوصايا، ولا تجد سوى واحدة: “جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر مساواة من غيرها”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً