article comment count is: 0

كيف يضع المجتمع المرأة في قوالب نمطية جامدة

في العقود الأخيرة، كان هناك تطور كبير فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين في المجالات الاقتصادية والتعليمية والوظيفية، نتج عن هذه التطورات العديد من القوانين واللوائح التي تسعى إلى تعزيز تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء وتقليل التحيز الجندري من جميع جوانبه، ومع ذلك لا يزال هناك فجوة كبيرة من عدم المساواة بين الجنسين وتؤكد العديد من الدراسات التنموية أن القوالب النمطية التقليدية للجنسين تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز فجوة عدم المساواة والتي بموجبها ترتبط سمات وسلوكيات وتوقعات معينة بالرجل والمرأة بطريقة متحيزة.

ما هي القوالب النمطية؟

يعرف الإطار الدولي لحقوق الإنسان القالب النمطي الجنساني أو الجندري قائلًا “هو نظرة معممة أو فكرة مسبقة عن خصائص أو سمات يملكها أو ينبغي أن يملكها الرجال والنساء، أو عن الأدوار التي يؤدونها أو ينبغي لهم تأديتها. والقالب النمطي الجنساني يكون ضاراً عندما يحد من مقدرة النساء والرجال على تنمية قدراتهم الشخصية، ومواصلة حياتهم المهنية، واتخاذ خيارات بشأن حياتهم وخطط حياتهم.”

كيف يعزز المجتمع فكرة القوالب النمطية:

هناك عدة أشكال رئيسية للقوالب النمطية الجندرية؛ فمن حيث الجانب الوظيفي يسارع المجتمع إلى اعتبار النساء أقل كفاءة في المجالات المتعلقة بالعلوم بينما يراها أكثر جدارة في مهن أخرى يحددها هو مثل التمريض والتدريس، وبالنسبة للمظهر الجسدي يُتوقع من المرأة أن تكون رشيقة وفيما يخص الصفات النفسية يجب أن تكون المرأة أكثر عاطفية ولهذا يقع على عاتقها مهمة تربية الأطفال.

والحقيقة أن هناك الكثير من النظريات الاجتماعية التي تفسر عملية وضع المرأة في قوالب نمطية جامدة:

– نظرية الدور الاجتماعي:

تلعب نظرية الدور الاجتماعي دورًا كبيرًا في تفسير ظاهرة القوالب النمطية؛ فوفقًا لهذه النظرية يجب على النساء أن يتصرفن وفقًا لدورهن الاجتماعي، وقد توصلت العديد من الدراسات الاجتماعية إلى نتيجة مفادها أن التقدم الوظيفي للمرأة يواجه عقبات بسبب الصور النمطية حول الدور الاجتماعي للمرأة، وفي هذا السياق تقول الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار في كتابها الجنس الآخر “الإنسان لا يولد امرأة بل يصبح ذلك لاحقا” وما تقصده الكاتبة هنا هو أن المرأة تخضع لعملية تنميط وفقًا لطبيعتها البيولوجية وهذا التنميط هو الذي يكسبها هويتها المجتمعية؛ فوفقًا لسيمون الطبيعة البيولوجية للمرأة لا تشكل عائقًا لها ولكن تعاطي المجتمع مع تلك الطبيعة هو المشكلة وبمرور الوقت تستسلم المرأة أحيانًا لرؤية المجتمع وتصدق أن لها أدورًا بعينها لا يجب أن تحيد عنها بسبب الحتمية البيولوجية.

 

2- نظرية تطابق الأدوار النمطية:

حين حاولت المرأة التخلص من القيود المجتمعية واجهت قيودًا أخرى في مقر العمل، ويمكن تفسير ذلك الأمر بأن الموظفين يرفضون أحيانًا التعامل مع المديرة المرأة لأن صورتها في أذهانهم لا تتضمن امتلاك سمات الأداء الوظيفي الإداري حيث يُنظر إليهن على أنهن متخلفات عن نظرائهم من الرجال، بمعنى آخر قد يتقبل الموظف المدير الرجل الصارم في عمله ولا يتقبل المديرة الصارمة أبدًا لأن تشكيل وعيه المجتمعي يخبره أن الصرامة ليست من صفات النساء وغير مقبولة أبدًا في حين أنها مقبولة من الرجال.

3- العوامل الاجتماعية والثقافية

الوضع الاجتماعي والثقافي يعزز فكرة القوالب النمطية؛ فمن الأسهل على الناس وضع تصورات نمطية للجنسين من أجل الحفاظ على تصورهم لفكرة العالم العادل ودفاعًا عن النظام الاجتماعي الأبوي الذي يهمين عليه الرجال، يشبه الأمر كثيرًا الفكرة السائدة عن الفقراء بأنهم كسالى والإعجاب بالأغنياء لأنهم يعملون بجد، هذه الفكرة مثلًا شديدة السطحية ولا تراعي الظروف والسياقات الاجتماعية المختلفة للبشر ومع ذلك يتبناها المجتمع لأنها تساعده على فهم سلوك البشر بسهولة، ولكن طامة هذه التصورات الكبرى أنها تؤدي إلى انخفاض التوقعات بشأن إمكانيات المرأة.


4- أماكن العمل

على الرغم من أن فكرة وضع المرأة في قوالب نمطية تتشكل منذ الطفولة في الوعي الجمعي وفي العوامل الاجتماعية والثقافية وفي الأعمال الدرامية والسينما إلا أن أماكن العمل تؤثر على تطوير فكرة القوالب النمطية من خلال عدة ممارسات مختلفة مثل التوظيف والترقية وثقافة العمل داخل المؤسسة؛ فلدينا على سبيل المثال تقسيم العمل على أساس الجنس، ولدينا كذلك تلك النظرة للمرأة في مكان العمل على أنها عاطفية وغير منطقية وخجولة ولا تحب المخاطر ولهذا يُسند إليها المشاريع الصغيرة.

ختامًا وعلى عكس المتوقع قد يظن البعض أن فكرة القوالب النمطية مترسخة بشدة في المجتمع ويصعب انتزاعها والأمر قد يكون كذلك بالفعل ولكنها في الوقت نفسه فكرة هشة تحتاج دومًا من يدافع عنها ويظهرها للعلن ويؤمن بها وحين لا تجد هذا الدفاع تتلاشى من الوسط؛ فإذا كان المدير في العمل لا يؤمن بتلك الفكرة وقتها ستختفي ببساطة من المؤسسة وحينها ستصبح بيئة العمل محفزة للمرأة، في الأسرة أيضًا على سبيل المثال حين يكون الأب واعيًا ولا يؤمن بتلك القوالب ستصبح ابنته قوية.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً