article comment count is: 0

ساعات عمل أطول أو أقصر: هل ثمة تأثير على الإنتاجية؟

“أنه في غضون 100 عام، أي عام 2030 سيتقدم المجتمع كثيرًا بحيث بالكاد سنحتاج إلى العمل كما أن عدد ساعات العمل سيقل بفعل التطور التكنولوجي”.. هكذا توقع الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز في كتاباته عن الإمكانيات الاقتصادية لأحفاده خلال عام 1930 وبعد مرور عام واحد فقط على الكساد الكبير.

على الرغم من التشاؤم المنتشر مع سقوط النظام الاقتصادي العالمي على ركبتيه، ظل كينز متفائلًا وقال إن “الكساد العالمي السائد يعمينا عما يجري تحت السطح” والآن بعد مرور أكثر من تسعين عامًا ومع اقترابنا من العام المائة لم تتحقق نبوءة كينز ولم تقل ساعات العمل حول العالم رغم التقدم التكنولوجي الهائل.

لماذا ما زلنا نعمل من التاسعة وحتى الخامسة؟

وفقًا لحسابات جون ماينرد كينز الاقتصادية فإن الآلة حلت بالفعل مكان الإنسان في العديد من المهام؛ أهمها تقليل الأعمال المنزلية بعد الانتشار الواسع للغسالات والمكانس الكهربائية وأفران الميكروويف ولكن الحقيقة أن الوقت المتوفر من الأعمال المنزلية لم يتحول إلى وقت فراغ ولكنه عوضًا عن ذلك تحول إلى عمل منتظم حيث انتقل عدد أكبر من النساء – اللائي يتحملن الحصة الأكبر من العمل المنزلي غير مدفوع الأجر – إلى القوى العاملة مدفوعة الأجر، وعليه فإن نقطة الإنتاجية للعالم اليوم تجاوزت تلك التي توقعها كينز وهذا يعني أن العالم بأكلمه يعمل عدد ساعات تفوق معدل الإنتاجية، كما يعني أيضًا أن الموظفين يمكن أن يصلوا إلى إنتاجيتهم في عدد أقل من ساعات العمل الحالية.

عدد ساعات عمل أقل تساوي إنتاجية أمثل

في نيوزيلندا أجرت شركة “بيربيتشيول غارديان” تجربة بحثية استغرقت 8 أسابيع ومن خلال هذه التجربة قامت بمنح العاملين لديها ثلاثة أيام عطلة أسبوعية وبالتالي كان العمل لمدة 4 أيام عوضًا عن 5 مع الالتزام بعدد ساعات العمل اليومي، والحقيقة أن النتيجة كانت مدهشة وذلك وفقًا لما أعلنه أندرو بارنيس المدير التنفيذي للشركة حيث قال أن الشركة حققت زيادة في الإنتاجية بنسبة 20% بعد هذه التجربة.
وفي تحليله لنتائج هذه الدراسة كشف جارود هار أستاذ إدارة الموارد البشرية في جامعة أوكلاند أن الإنتاجية زادت في الشركة لأن الرضا الحياتي ارتفع لدى الموظفين إذ أصبحوا قادرين على تحقيق الموازنة بين العمل وقضاء المزيد من الوقت في المنزل، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فالحصول على يوم عطلة إضافي قلل مستوى الإجهاد في العمل من 45% إلى 38% ، كما ارتفعت حالة الرضا بين الموظفين من 54 إلى 78%.

عدد ساعات العمل الطويلة والإنتاجية

أظهرت مجموعة من الدراسات البحثية أن عدد ساعات العمل الطويلة تتسبب في تدهور المهام؛ حيث تؤدي إلى زيادة معدل الخطأ وقد توصلت دراسات أخرى أن عدد ساعات العمل حين يطول أكثر من اللازم يؤدي إلى الإصابة بنوبات القلق والاكتئاب وذلك بسبب قلة عدد ساعات النوم وفي هذه الحالة يمكننا أن نتذكر اليابان التي تشتهر بعدد ساعات عملها الطويلة؛ فهناك ظاهرة شهيرة بتلك البلد الآسيوي الكبير يُطلق عليها اسم “كاروشي” والتي تعني الموت من كثرة العمل.

ما هو الحل إذن؟

هناك العديد من الدراسات التي توصلت إلى نتيجة مفادها أن زيادة عدد ساعات العمل لا يعني بالضرورة زيادة الإنتاجية؛ حيث تنخفض إنتاجية الفرد بشكل حاد بعد 50 ساعة عمل في الأسبوع بالإضافة إلى ذلك فإن عدم أخذ يوم كامل على الأقل إجازة في الأسبوع يؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج لكل ساعة.
وقد توصلت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية (WHO) أن العمل بمعدل 55 ساعة أو أكثر أسبوعيًا يزيد من خطر إصابتك بالسكتة الدماغية بنسبة 35% وخطر الوفاة بأمراض القلب بنسبة 17% وذلك مقارنة بمتوسط 35-40 ساعة عمل كل أسبوع.

الدنمارك: 38 ساعة فقط:

وفي سياق متصل فقد أجرت خبيرة إدارة الوقت والإنتاجية لورا فاندركام دراسة من أجل تحديد كيفية تأثير ساعات العمل على مقدار الوقت الذي تعتقد أنه لديك، وقد توصلت هذه الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الوقت المثالي للعمل هو 38 ساعة في الأسبوع وهو العدد الذي تعتمده دولة الدنمارك والتي تعتبر واحدة من أسعد دول العالم. ويعمل الناس في الدنمارك بجد ويتمتعون بنفس الإنتاجية مثل عمال الدول الأخرى، ولكن نادرًا ما يقضون أكثر من 37 ساعة عمل في الأسبوع، وغالبًا ما يغادرون المكتب بحلول الساعة 4 أو 5 مساءً كل يوم، جدير بالذكر أن غالبية الدول الاسكندنافية تتمتع بتوازن شبه مثالي بين العمل والحياة الاجتماعية.

إيجابيات ساعات العمل الأقصر لا تقتصر على الإنتاجية

في النهاية ربما علينا أن ندرك أن التحرك نحو أسبوع عمل أقصر بشكل تدريجي جنبًا إلى جنب مع الجهود المبذولة لتعزيز مستويات الأجور في جميع قطاعات الاقتصاد سوف يؤثر على المجتمع كله بشكل إيجابي؛ فمن ناحية سيقلل من إضرار البيئة؛ بسبب استهلاك أقل للموارد الطبيعية، ومن ناحية أخرى قد يؤدي تقليل ساعات العمل إلى تحقيق المزيد من المساواة بين الرجل والمرأة؛ وذلك لأن النساء حاليًا تقضي وقتًا أطول من الرجال في القيام بأعمال منزلية غير مدفوعة الأجر، وبالتالي إذا انتقلنا إلى ساعات عمل أقصر سوف يؤدي ذلك إلى تعزيز المزيد من الحصص المتساوية في العمل المأجور وغير المأجور، كما يقضي الأبوين المزيد من الوقت بصحبة أطفالهم وهو ما يعني رعاية أطفال بجودة أعلى.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً