في مدرستي المشتركة قرر مجلس أولياء الأمور أن يتم فصل البنين عن البنات، لا أحد يعلم السبب لكن يبدو أن البعض تخوف من الاختلاط في هذه السن الخطيرة، وبالفعل تم الأمر في المرحلة الإعدادية بالكامل، لكن النتيجة كانت كارثية، فصول البنين ما هي إلا سيرك للترفيه، لا يستطيع المدرس دخول الفصل، وإن استطاع سيواجه هجوم تتاري من الطلبة بعد دقائق معدودة.
اجتمع نفس المجلس في نهاية العام ليصوت بالإجماع على ضرورة عودة الاختلاط، وجود البنات يكبح جماح الشغب، ويدفع البنين للسلوكيات الطيبة الحسنة، كما أن الدرجات النهائية لامتحانات آخر العام أظهرت تراجع مستوى البنين بشكل واضح جدًا.
في كلية الهندسة جاء قرار دكتور إحدى المواد واضحًا وصريحًا: “كل مجموعة لازم يبقى فيها بنت على الأقل” أثناء تكوينه للمجموعات التي ستعمل معًا على بعض المشاريع الدراسية، وعندما سألناه عن السبب أجاب بصراحة أكبر “علشان ما تقلبش قعدة في قهوة”.
على مدار سنوات الكلية تأكد لي صحة النظرية، مهما اختلفت طبيعة الأشخاص، تتحول جلسات المذاكرة دائما إلى شيء أخر، الأخوة سيثيرون قضية فرعية وتتحول الجلسة إلى مبارزة كلامية في الحلال والحرام، الرياضيون سيتحدثون لساعات عن الأهلي والزمالك، المهتمون بالشأن السياسي قضاياهم الفكرية لا تنتهي، أما من ليس لهم أي هوايات فجلستهم مهددة بشيئين لا ثالث لهم، المخدرات والجنس.
تطور الأمر من المدرسة والكلية ووصل إلى العمل، طالما الاجتماع الأسبوعي أو الشهري لا توجد به فتاة، سيصاحب كل عناصر النقاش “شتيمة”، إلا إذا كانت تاء التأنيث حاضرة، يحافظ الجميع على ثباته الانفعالي، ولا يتطاير السباب فوق طاولة الاجتماعات.
فاجأني مديري في أحد المصانع بما هو أبعد من ذلك، عندما أخبرني بنيته في إضافة عنصر إلى فريق العمل، بالتأكيد هو لم يخبرني ليستشيرني، هو فقط كان يريد مني أن ألاحظ معه تغير سلوك الزملاء بعد إضافة هذا العنصر، فهو يراهن أن هناك تغير ملحوظ سيحدث في مظهر فريق العمل بالكامل، نعم إنه سحر العنصر النسائي، أجرى مخي حسبة سريعة نتج عنها أن فريق العمل مكون من 5 مهندسين، ثلاثة منهم لم يتزوجوا بعد، بالتأكيد سيحاول أحدهم الفوز بقلب هذه المهندسة، ولم أعقب سلبًا أو إيجابًا على وجهة نظر مديري.
وفي يومها الأول، رأيت بعيني الجميع في أحسن هندام، ومديري ينظر لي طول الاجتماع ويبتسم في خبث، لم يقتصر الأمر على غير المتزوجين، كان الجميع أيضًا في أبهى صورهم على غير المعتاد.
على مدار ثلاثة أشهر قضيتها مع هذا الفريق، حافظ الخماسي على مظهره الجيد، المكتب رائحته تغيرت بفعل مزيج عطور الخماسي، الأحذية الكلاسيكية تلمع، والرياضية مغسولة دائما، سيطرة الفكرة عليّ تمامًا وحاولت أن أفهم سر التغير الواضح بالرغم من حالة السيدة الإجتماعية التي تعني أن لا فرصة هنالك.
كانت العلاقة بين الجميع في حدود العمل فقط، وبسبب وجود المهندسة الدائم في المكتب، تحول المكان الصاخب الذي يشتعل يوميًا بشجارات الأهلي والزمالك إلى مكان هادئ، حتى صوت القرآن الذي كان ينبعث دائما بصوت عال في بداية اليوم ليسمعه من يجلس على بعد أربع غرف من مكتبنا، أصبح صوته منخفض يكفينا فقط، أكاد أقسم أن هناك لمسة فنية أضيفت لبيئة العمل بعد وصول هذا العنصر الجديد.
لم يتوقف الأمر عند التغيير الشكلي، تعمد مديري أن تصبح هذه المهندسة بشكل أو بآخر حلقة الوصل بيننا وبينه، كل الأمور المهنية تمر من خلالها قبل الوصول إليه، ومن جهته أوكل إليها بعض أعمال المراجعة، فكانت النتيجة مدهشة، الجميع يتقن عمله حتى لا يظهر بمظهر المتخاذل عندما تكتشف أي أخطاء أو عيوب فيما يقدمه.
في نهاية فترة عملي ومع قرب انتقالي لمركب جديد في رحلة البحث عن “الكارير” سألت مديري مباشرة عن نظريته، وكيف توقعها فكانت إجابته “التوازن”.
شاركنا رأيك عن “الجلسات الذكورية” في العمل؟